مقالات الرأي
أخر الأخبار

صلاح جمعة يكتب : إعادة إعمار غزة بين الضغوط الدولية والرؤية العربية

بقلم صلاح جمعة
نائب رئيس تحرير وكالة الشرق الأوسط

إعادة إعمار غزة بين الضغوط الدولية والرؤية العربية

أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلًا واسعًا بإعلانه عن خطة تقضي بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر والأردن، وإعادة بناء القطاع وفق رؤية أمريكية. غير أن هذه الخطة قوبلت برفض قاطع من المجتمع الدولي، والدول العربية وعلى رأسها مصر، والأردن، والسعودية. ومع تصاعد الضغوط، تراجع ترامب عن فرض خطته بالقوة، مؤكدًا رغبته في التوصل إلى تفاهم مع جميع الأطراف المعنية.

مصر تقود جهود إعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين

في هذا السياق، تعمل مصر على وضع خطة متكاملة لإعادة إعمار غزة، حيث تسعى إلى بلورة رؤية مقبولة إقليميًا ودوليًا. وقد شهدت العاصمة الرياض، في 20 فبراير الجاري، قمة غير رسمية ضمت السعودية، ومصر، والأردن، والكويت، والإمارات، وقطر، حيث نوقشت الخطة المصرية التي تهدف إلى إعادة إعمار القطاع.

مقترح إنشاء مناطق آمنة وإدارة فلسطينية مستقلة

تقترح الخطة المصرية إنشاء “مناطق آمنة” داخل غزة لإيواء السكان مؤقتًا، بينما تتولى شركات مصرية ودولية إزالة الأنقاض وإعادة تأهيل البنية التحتية المدمرة. كما تنص الخطة على تشكيل إدارة فلسطينية مستقلة لا تخضع لحركة حماس أو السلطة الفلسطينية، للإشراف على إعادة الإعمار وإدارة شؤون القطاع، وفقًا لمسؤولين مصريين مطلعين على المبادرة.

تشكيل قوة أمنية فلسطينية

تشمل الخطة أيضًا إنشاء قوة شرطة فلسطينية مكونة بشكل رئيسي من عناصر أمنية تابعة للسلطة الفلسطينية ممن بقوا في غزة بعد سيطرة حماس على القطاع عام 2007.

إعادة إعمار غزة على ثلاث مراحل دون تهجير

تستند الخطة المصرية إلى ثلاث مراحل تمتد لنحو خمس سنوات، دون فرض أي تهجير على الفلسطينيين. وتشمل المرحلة الأولى، التي تستغرق ستة أشهر، نقل السكان إلى المناطق الآمنة، حيث سيتم تجهيزها بمنازل متنقلة وملاجئ، مع ضمان تدفق المساعدات الإنسانية.

وسيشارك أكثر من عشرين شركة مصرية ودولية في عمليات إزالة الأنقاض وإعادة بناء البنية التحتية، مما سيوفر عشرات الآلاف من فرص العمل لسكان غزة.

الرؤية المصرية: حل اقتصادي وسياسي شامل

تؤكد مصر أن خطتها لا تقتصر على إعادة إعمار غزة فقط، بل تشمل إطلاق عملية سياسية ذات مصداقية تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967. وترى القاهرة أن عدم تحقيق الدولة الفلسطينية سيؤدي إلى جولات صراع مستقبلية، قد تعيد تدمير القطاع حتى بعد إعادة إعماره.

الدول العربية تؤكد تمسكها بالحفاظ على حقوق الفلسطينيين في أرضهم وترفض أي خطط قد تؤدي إلى تغيير ديموغرافي في المنطقة. ومع ذلك، تبقى الأسئلة قائمة حول مدى قدرة مصر والدول العربية على الوصول إلى تسوية تُرضي جميع الأطراف، وهو ما قد تتضح ملامحه في القمة العربية القادمة.

شروط أمريكية وإسرائيلية لإعادة الإعمار

تشترط الولايات المتحدة وإسرائيل أن يكون أي جهد لإعادة إعمار غزة مرتبطًا بـتفكيك حركة حماس، ونزع سلاحها، وإخراج قياداتها من القطاع. ورغم أن إسرائيل لم تتمكن من تحقيق هذا الهدف عسكريًا خلال الأشهر الـ 15 الماضية، فإنها تسعى إلى فرضه من خلال المفاوضات والضغوط السياسية على الدول العربية.

كما تطمح إسرائيل إلى تحميل مصر والدول العربية مسؤولية إعمار القطاع، على أن تتولى هذه الدول إدارته لفترة محددة حتى يتم التأكد من تفكيك البنية العسكرية لحركة حماس وفصائل المقاومة.

موقف حماس والخيارات المطروحة

في ظل هذه التطورات، أبدت حماس استعدادها للتخلي عن إدارة القطاع وقبول تشكيل لجنة توافقية فلسطينية تُشكل بموافقة الفصائل وبمرسوم من الرئيس محمود عباس، لكنها ترفض بشكل قاطع نزع سلاح المقاومة أو ترحيل كوادرها من غزة، مؤكدة أنها جزء من الحل وليست المشكلة، وأن من يجب أن يخرج هو الاحتلال الإسرائيلي وليس الفصائل الفلسطينية.

تحذيرات حماس من أي تدخل عسكري عربي أو دولي

قال أسامة حمدان، القيادي في حماس، إن أي قوات عربية أو دولية تدخل غزة لتحل محل الاحتلال الإسرائيلي ستُعامل كما يُعامل الاحتلال، مؤكدًا أن المقاومة الفلسطينية ستظل قائمة، ولن يتم إقصاؤها.

المعادلة الصعبة: إعادة الإعمار دون تهجير أو نزع السلاح

تواجه الدول العربية معضلة رئيسية تتمثل في كيفية التوفيق بين المطالب الأمريكية والإسرائيلية من جهة، ورفض حماس والمقاومة لنزع سلاحها أو مغادرة القطاع من جهة أخرى. ويبدو أن هناك محاولة لإيجاد صيغة وسطى تتمثل في تقديم ضمانات بعدم تهجير السكان، مقابل إعادة إعمار غزة بآلية تُقلّص دور حماس السياسي.

قمة مصغرة في الرياض لمناقشة إعادة إعمار غزة

عُقدت قمة عربية مصغرة غير رسمية في الرياض، بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد، أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد، أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، الرئيس عبد الفتاح السيسي، وملك الأردن عبد الله الثاني، بهدف مناقشة الخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير سكانه.

لكن القمة انتهت دون إصدار بيان رسمي، مما يعكس استمرار المشاورات بين الدول العربية للوصول إلى توافق حول خطة إعادة إعمار غزة وآليات تنفيذها.

التحديات المالية لإعادة الإعمار

وفقًا لتقرير أممي، تتطلب إعادة إعمار غزة أكثر من 53 مليار دولار، منها 20 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الأولى، مما يبرز الحاجة إلى تنسيق الجهود الدولية والإقليمية لتأمين التمويل اللازم وضمان تنفيذ خطط الإعمار بفعالية.

الموقف المصري من مقترح يائير لابيد حول غزة

قدم يائير لابيد، زعيم المعارضة الإسرائيلية، مقترحًا بفرض وصاية مصرية مؤقتة على غزة بين 8 و15 عامًا، تتولى خلالها القاهرة إدارة القطاع، نزع سلاح الفصائل، وإعادة الإعمار بمشاركة دولية، مقابل حوافز اقتصادية أبرزها سداد ديون مصر الخارجية.

لكن مصر ترفض تحمل مسؤولية غزة، مؤكدة أنها جزء من الدولة الفلسطينية المستقبلية، وترفض أي مخطط يعفي إسرائيل من مسؤولياتها أو يؤدي إلى تهجير الفلسطينيين.

القمة العربية الطارئة في القاهرة

أعلنت وزارة الخارجية المصرية عن استضافة القاهرة للقمة العربية الطارئة في 4 مارس 2025، بالتنسيق مع مملكة البحرين، لبحث تطورات القضية الفلسطينية وتوحيد الموقف العربي لمواجهة التحديات الراهنة.

من المتوقع أن يشارك في القمة قادة الدول العربية أو ممثلوهم، حيث ستتم مناقشة:وقف الحرب وإعادة الإعمار ، وسبل دعم الشعب الفلسطيني سياسيًا واقتصاديًا وتعزيز الجهود الدبلوماسية لوقف الانتهاكات المستمرة والعمل على تحقيق سلام عادل وشامل.

تبقى القمة العربية المرتقبة فرصة حاسمة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني والعربي

زر الذهاب إلى الأعلى