الرئيسيةمقالات الرأي

السيد هانى يكتب : ملاحظات على الإعلام .. لكى تبقى مصر “مركز الثقل” فى المنطقة العربية

 

بقلم : السيد هانى 

منذ فترة .. وجدت أحد الشخصيات الخليجية المعروفة .. يضع على أحد “الجروبات” على شبكة التواصل الإجتماعى صورة غلاف لكتاب جديد أصدره .. يتحدث عنوانه عن “انتقال مركز الثقل العربى إلى عواصم الخليج” .. فردت عليه بعبارات قاسية .. واصفا ذلك بالمغالطة التى لا يجب أن تمر .. لأن القاهرة هى مركز الثقل العربى بلا منافس .. وأن مصر هى التى قادت حركة “التنوير” فى المنطقة العربية كلها .. بكافة المجالات الثقافية والفنية والعلمية .. مصر هى التى أنجبت طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ .. وعبدالوهاب وأم كلثوم .. واحمد زويل .. وغيرهم الكثير ممن لازالوا على قيد الحياة .. وكما يقول الشاعر العظيم حافظ ابراهيم فى قصيدته الرائعة “مصر تتحدث عن نفسها” التى غنتها السيدة أم كلثوم : 

” أنا تاج العلاء فى مفرق الشرق .. ودراته فرائد عقدى”.. “وبناة الأهرام فى سالف الدهر كفونى الكلام عند التحدى” ..

لم يجد مؤلف الكتاب ما يقوله سوى الإعتذار ؛ والإعتراف بمكانة مصر بين دول المنطقة .. كدولة رائدة بلا منافس على زعامتها للدول العربية ..

لقد كنت قاسيا عليه .. وحادا .. وحاسما للنقاش دون تجريح ..

أتذكر أننى قلت له أن كل أموال النفط لا تستطيع أن تجد مثيلا لأم كلثوم فى الخليج .. 

* بعد هذه المقدمة .. أقول أن علينا مسئولية الحفاظ على هذه المكانة الرائدة لمصر فى المنطقة .. التى صنعها السابقون .. فجعلوها تتصدر كل دول المنطقة بما تملكه من قوة ناعمة .. فى الثقافة والفنون والعلوم والآداب .. فأثبتوا بذلك أن الثقافة أهم من النفط ..

لابد هنا أن أسجل أننا لسنا فى منافسة مع أخوتنا فى الدول العربية .. ولسنا فى سباق معهم حول قيادة المنطقة ..لأنهم يعرفون قدر مصر ومكانتها .. ويحبونها .. ويحبون اغانى أم كلثوم وقصص نجيب محفوظ ..

المشكلة أن من بين أبناء مصر من لا يعرف قدرها .. ويحب نفسه أكثر مما يحبها .. ويعمل من أجل نفسه أولا ؛ وليس من أجل بلده ..

المشكلة الأكبر .. أن بعض هؤلاء يتولون مواقع قيادية فى الدولة .. فيسخرون كل ما لديهم من سلطات من أجل “تلميع” أنفسهم .. بالتالى يتراجع مستوى الآداء فى مؤسساتهم .. إلى الدرجة التى تجعل أحد الناس فى منطقة الخليج يتصور أن مصر كلها تتراجع .. وأن مركز الثقل العربى بدأ ينتقل من القاهرة إلى العواصم الخليجية .. وهو تصور باطل غير صحيح ..

لكن ما يساعد على انتشار هذا التصور الباطل .. إلى الدرجة التى تجعل أحد أساتذة الجامعة فى الخليج يضعه بين ضفتى كتاب .. هو ما نشاهده على شاشات الفضائيات الخليجية من نجوم المجتمع المصرى .. فى السياسة والإقتصاد والفنون والصحافة والآداب .. يجلسون فى المؤتمرات التى أصبحت الدول الخليجية تنظمها بكثرة فى السنوات الأخيرة .. وتدعو لها النخب من مختلف الدول العربية .. توفر لهم تذاكر الطيران والإقامة فى أرقى الفنادق .. والدروع والهدايا وشهادات التقدير فى نهاية المؤتمر ..

هذا الذى يحدث بصورة شبه دائمة فى بعض العواصم الخليجية .. أصبح ظاهرة .. لا يمكن إنكارها .. كما لا يمكن أيضا التقليل من أهميتها فى إثراء الحركة الثقافية .. وزيادة الوزن الإقليمى للدولة الخليجية التى تستضيف المؤتمر وتقدم الهدايا والإقامة المجانية للمشاركين فيه ..!

          * * *

يحدث هذا حولنا .. والذى من شأنه سحب “سجادة الريادة” من تحت أقدام مصر ..”حبة حبة” .. بينما نحن نعاقب الكفاءات الحقيقية بإقصائها .. لأسباب غير منطقية .. ونقلص مساحة الحوار على من هم معنا فقط .. فنطبق بذلك المقولة الشهيرة لبوش الإبن “من ليس معنا فهو ضدنا” .. 

الإهتمام بمن هم “معنا” فقط .. لابد أن يؤدى إلى حدوث ظواهر غير صحية .. سأسوق عدة أمثلة عليها من مجال الإعلام الذى أعمل فيه :

١- بعض الإعلاميين يحصل على أكثر من فرصة .. بما يزيد كثيرا عن قدراته المهنية .. فسيادته رئيس تحرير .. وسيادته نجم تليفزيونى كبير بيقدم برنامجا فى التليفزيون .. وسيادته بيقدم أيضا برنامجا فى الإذاعة .. إذن فهو بذلك يحاصر الجميع : القراء والمشاهدين والمستمعين .. كما أن سيادته يشغل أيضا منصبا إعلاميا كبيرا يدر عليه عشرات الآلاف من الجنيهات كل أول شهر ..

سأسمح لنفسى بأن أصف ذلك بأنه “عك” .. لماذا..؟

لأن أصول مهنة الصحافة .. تتطلب من رئيس التحرير أن يتفرغ تماما لرئاسة التحرير .. حتى يستطيع تحقيق “السبق الصحفى” .. الذى هو درة تاج العمل الصحفى .. ورئيس التحرير .. الذى ينشغل بعمل آخر .. هو لايصلح أصلا لوظيفة رئيس التحرير .. لأن الجريدة أو المجلة .. أصبحت فى العصر الحالى جبهة قتال للدفاع عن الأمن القومى للدولة وقضايا الوطن .. وجبهات القتال تحتاج إلى مقاتلين أشداء .. وليس إلى “أرزقية” يبحثون عن المال لزيادة دخلهم ويعملون بمنطق “فتح عينك تاكل ملبن”.. 

رئيس التحرير .. فى هذا العصر .. يقود جبهة قتال .. بسلاح فتاك .. اسمه “القلم” .. هو بالضبط مثل أى قائد عسكرى يقف على الجبهة .. ليحرس حدود مصر وأمنها القومى .. رئيس التحرير أيضا يحرس حدود مصر وأمنها القومى .. فهل يمكن أن نرى أحد القادة العسكريين يقدم برنامجا تليفزيونيا .. ويقول للمشاهدين “فاصل ونواصل”..!

هذه المهزلة يجب أن تتوقف .. 

– أولا لكى يتفرغ رئيس التحرير لعمله ويؤدى مهامه التى من أجلها تم اختياره لهذا المنصب ..

– وثانيا لكى يترك فرصة تقديم البرنامج .. لأهله .. من خريجى كليات الإعلام – قسم الإذاعة والتليفزيون .. وهم بالآلاف .. عاطلون ويبحثون عن فرصة عمل بلا جدوى ..

– “التكويش” على الفرص والمناصب فى مجال الإعلام .. من شأنه أن يؤدى بالرسالة الإعلامية إلى الضعف والتردى ..

– عيب جدا أن نجد رئيس تحرير واحدة من أكبر الصحف المصرية .. لا يذهب إلى مكتبه إلا نادرا .. لأنه يعمل فى نفس الوقت رئيس تحرير أيضا لدى قناة خاصة..!

– هل يحدث هذا بسبب قلة الصحفيين فى البلد .. لكى نسند رئاسة تحرير إحدى الصحف القومية الكبرى فى مصر .. لشخص “أرزقى” يعمل لدى قناة خاصة يمتلكها أحد كبار رجال الأعمال فى مصر ..!

– مثال آخر من الظواهر غير الصحية فى مجال الإعلام .. يتعلق بالدكتور ضياء رشوان ..

– أقول له يادكتور ضياء .. أنت بدرجة وزير .. وأنت بحكم منصبك كرئيس للهيئة العامة للإستعلامات .. أنت المتحدث الرسمى باسم الدولة المصرية .. ما تنطق به لوسائل الإعلام هو الموقف الرسمى للدولة المصرية .. وكالات الآنباء والفضائيات والصحف تنقل عنك أى كلمة تقولها .. 

– فهل يصح بعد ذلك أن تقدم برنامجا تليفزيونيا .. سواء فى إحدى الفضائيات المصرية الخاصة .. أو فى قناة “العربية” الآن التى تصدر من دبى..!

– يا أخى العزيز .. أنت الآن فى منصب شديد الأهمية والحساسية والخطورة على الأمن القومى المصرى .. سبق أن تولاه شخصيات عظيمة .. وزراء خارجية .. مثل الدكتور محمد حسن الزيات؛ والدكتور عصمت عبد المجيد .. والرائع مرسى سعد الدين ..والدكتور ممدوح البلتاجى الذى شغل بعد ذلك منصب وزير السياحة ثم منصب وزير الإعلام .. والسفير صلاح الدين عبدالصادق مساعد وزير الخارجية السابق ..

– لذلك يجب عليك أن تتفرغ لمهام هذا المنصب الخطير .. وإذا كان الهدف من تقديمك لبرنامج على قناة “العربية” هو نقل الرسالة الإعلامية التى يقدمها البرنامج إلى منطقة الخليج .. فهذا فى حد ذاته “شئ مؤسف” .. لأنه يعنى أن كل القنوات المصرية العامة والخاصة لا تصل إلى منطقة الخليج.. وتلك مصيبة.. وياألف خسارة على المليارات التى أنفقناها لإنشاء قنوات جديدة فى مدينة الإنتاج الإعلامى..ثبت أنها عاجزة عن توصيل رسالتنا الإعلامية لمنطقة الخليج .. والدليل على ذلك أن موظف كبير فى مصر بدرجة وزير .. يقوم حاليا بتقديم برنامج فى قناة تبث من دبى..!

* هذه وجهة نظر فى بعض الأمور التى تحتاج إلى إعادة نظر فى الإعلام المصرى .. لنكون أوفياء لبناة الأهرام .. ولشعبنا المصرى العظيم .. الذى قدر الله له أن تكون بلاده .. هى مركز الثقل الحقيقى فى المنطقة العربية ..

————————————-

السيد هانى ..

نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية ..

الكاتب المتخصص فى الشئون الدولية ..

عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية ..

زر الذهاب إلى الأعلى