مقالات الرأي

انتصارات القوات البحرية في حـرب 1967

أولا : خلفية تاريخية:

فى أعقاب حرب 1956 أعادت قواتنا البحرية بقيادة الفريق أول سليمان عزت تنظيمها وفقا للعقيدة العسكرية السوفيتية، وسلحت بطرازات مختلفة من المعدات البحرية منها لنشات الصواريخ طرازى (أوسا)، (كومار) المزودة بالصواريخ سطح/ سطح طراز (ستيكس) وتم تدريب أطقم الغواصات والوحدات البحرية المختلفة فى الاتحاد السوفيتى كذا تم تطوير الكلية البحرية والمنشآت التعليمية وإعادة هيكلة وتنظيم قيادة القوات البحرية بشعبها وإداراتها وأفرعها… ألخ.

وشمل تطور السلاح البحرى الإسرائيلى إنضمام غواصتين وبعض زوارق الإنزال ووقعت عقداَ فى عام 1965 مع فرنسا لبناء عدد (6) لنش صواريخ فى ميناء شيربورج وفقاَ لتصميمات ألمانية غربية وفى العام الثانى تعاقدت على (6) لنشات أخرى حيث بدأت بالتعاون مع ألمانيا وعدد من الشركات الفرنسية والإيطالية لتصميم صواريخ موجهة سطح/ سطح (جابريل).

ولم تكن هذه اللنشات وصلت عند بدء معارك 1967 وكانت الصواريخ (جابريل) فى مرحلة التجارب، كما كانت إسرائيل تعانى من نقص كبير فى الوحدات البحرية مقارنة بما لدى مصر من تفوق ملحوظ فتوسعت فى التدريب على مهام الكوماندوز البحريين.

ثانيا: تطور الأحداث:

فى أوائل عام 1967 أخذت إسرائيل تعلن عن أزماتها الداخلية وهجرة اليهود لخارج إسرائيل وأعلن رئيس الأركان العامة (إسحاق رابين) يوم 12/5/1967 أنه سوف يشن هجوم خاطف على سوريا وسيحتل دمشق ليسقط النظام الحاكم ثم يعود وذلك عقب الكمين الذى نصبته إسرائيل للطيران السورى.

كانت مصر أنذاك منشغلة فى حرب اليمن، وفى 19/5/1967 سحبت قوات الطوارئ الدولية من أراضيها على طول خط الهدنة مع إسرائيل.
تصاعدت أزمة الحشود الإسرائيلية على الحدود السورية عقب قرار القوات المسلحة المصرية بحشد قواتها فى سيناء وذلك إبتداءَ من منتصف مايو 1967.

فى 22/5/1967 أعلنت مصر إغلاق خليج العقبة فى وجه الملاحة الإسرائيلية فكان ذلك بمثابة تغيير واقع بالقوة حيث تمتعت إسرائيل بهذا المكسب نتيجة معركة 1956 حيث بدأت آلة الحرب فى الدوران حتى إنطلقت فى 5 يونيو 1967.

ثالثاً: تصعيد الموقف بين مصر وإسرائيل:

رفعت حالة الاستعداد إعتبارا من 14/5/1967 وأخذت الأحداث تتطور بسرعة مذهلة مع التغيير المستمر فى المهام والأهداف السياسية والعسكرية بإسلوب يخالف تماما الإسلوب العلمى السليم لإدارة الأزمات الوطنية مع عدم وجود تنسيق بين القيادة السياسية والعسكرية.

الواضح أن الموضوع بدأ أولاً فى شكل مظاهرة عسكرية تهدف إلى إرهاب إسرائيل لمنعها من القيام بأعمال عدائية مع تحقيق بعض المكاسب السياسية فى نفس الوقت وهى:

– سحب قوات الأمم المتحدة.

– استعادة السيطرة المصرية على شرم الشيخ (مضيق تيران).

رابعا: حشد الوحدات والتشكيلات البحرية:

تم دفع القوات البرية إلى سيناء بشكل إستعراضى فى وضح النهارومروراً بشوارع قلب العاصمة الأمر الذى يتعارض مع مبدأ سرية الفتح التعبوى كما حشدت فى نفس الوقت الوحدات البحرية المصرية (مدمرات – غواصات –لنشات صواريخ ولنشات طوربيد… الخ) فى قواعد البحر الأحمر تحت مبدأ تدعيم التواجد البحرى المصرى.

لم تتم دراسة تعبوية سليمة لحجم الوحدات البحرية المطلوب بمسرح عمليات البحر الأحمر حيث تم دفع (3 مدمرة – فرقاطة – 2 غواصة وعدد كبير من لنشات الصواريخ والطوربيد ووحدات بحرية أخرى) فى مقابل ( 3 لنش طوربيد، 2 لنش مرور صغير، 2 سفينة إنزال ) إسرائيلية تتمركز كلها قى ميناء إيلات.

لم تدرس أيضا فكرة إغلاق مضيق تيران أمام الملاحة حيث أنه ممر دولى، الأمر الذى ترتب عليه عواقب جسيمة رغم أن هذا الإعلان فى الحقيقة كان غير فاعلاً حيث صدرت الأوامر للقوات البحرية بعدم منع السفن المحروسة والسفن الحربية من عبور المضيق.

ولتنفيذ هذا القرارالسياسى قامت القوات البحرية بإستخدام زوارق الطوربيد ثم المدمرات لغرض الحصار القريب ثم سحبت المدمرات نظرا للتفوق الجوى الإسرائيلى.

خامسا: أعمال قتال البحرية الإسرائيلية:

يوم 5 يونيو 1967 فشلت محاولة الضفادع البشرية الإسرائيلية للإغارة على ميناء بورسعيد لإنزال ضربة إجهاض ضد وحداتنا البحرية وذلك بسبب إجراءات التأمين القوية التى أجبرتها على الإنسحاب حيث تصدى سرب لنشات صواريخ للوحدات الحاملة لها.

ليلة 5/6 يونيو 1967 فشلت محاولة قيام (6) ضفدع بشرى تم إنزالهم من الغواصة (تانين) لتلغيم وحداتنا البحرية بميناء الأسكندرية بسبب خطة الإنتشار والتغيير الدورى لأماكن الوحدات كذا الإجراءات الناجحة لوحدة تفتيش وتأمين الميناء.

فشل محاولات الغواصة (تانين) لإنتشال الضفادع البشرية لوجود الفرقاطة (طارق) حيث تم القبض عليهم.

فشلت محاولة الغواصة (تانين) ليلة 5/6 يونيو فى الهجوم بالطوربيدات على الفرقاطة (طارق) بفضل المناورة الجيدة للفرقاطة والتى نجحت فى إصابة الغواصة إصابات مباشرة كادت تغرقها.

سادسا: أعمال قتال قواتنا البحرية:

محاولة قصف ميناء إيلات بتشكيل بحرى مصرى ليلة 5 يونيو 1967.

نتيجة لعدم توفر مجهود جوى بعد تدمير الطائرات والمطارات المصرية قرر قائد التشكيل إلغاء العملية والعودة.

قصف ساحل رمانة وبالوظة بواسطة لنشات الصواريخ المصرية ليلة 7/8 يونيو 1967.

نجحت لانشات الصواريخ المصرية فى قصف بالصواريخ البحرية لطابور مدرع إسرائيلى متقدم على المحور الساحلى فى إتجاه بورسعيد عند منطقة رمانة (شرق بورفؤاد) بالإضافة إلى منطقة إدارية مما إضطر المدرعات إلى التوقف وكانت أول مرة تستخدم الصواريخ البحرية سطح/سطح ضد أهداف ساحلية وبوصول المجهود الجوى الإسرائيلى تصور خطأ أن سفينة التجسس الأمريكية (لبيرتى) هى لنشات الصواريخ المصرية فقام بإغراقها وعادت اللنشات سالمة للميناء.

إصابة الغواصة الإسرائيلية (تانين) وأسر (6) ضفدع بشرى بميناء الأسكندرية يوم 6/5/1967.

سابعا: التقييم التعبوى لأنشطة قواتنا البحرية:

وجود بعض العجز على المستوى الإستراتيجى والتعبوى فيما يختص بالتخطيط السليم للعمليات نتيجة لعدم ترجمة تفوق القوات البحرية لأعمال قتالية نشطة تكبد العدو خسائر وتدمره.

عدم وجود خطط هجومية لمقابلة الموقف.

إنعدام وجود هدف إستراتيجى تعبوى واضح المعالم على مستوى ق.م حيث لم تسند مهام قتالية محددة للقوات البحرية وبالتالى لم يكن هناك قرار للقائد وخطة للعمليات حيث تبلور الأمر إلى تنفيذ إجراءات التأمين المخططة ومنع الخسائر فى الوحدات البحرية مع القيام بأعمال قتالية نشطة تحقق الدفاع الإيجابى وفى واقع الأمر- إلتزمت قواتنا البحرية بتعليمات القتال وحققت إستعداد قتالى عالى وإنضباط عسكرى متميز مما أدى إلى المحافظة على سلامة الوحدات البحرية وأطقمها.

الخلاصة:
يتضح غياب القيادة والسيطرة والتخطيط الإستراتيجى للعمليات فى ظل عدم وجود إدارة للأزمات الوطنية الأمر الذى كان سببا رئيسيا لهزيمة 1967.

رغم وجود بطولات فردية وإصرار على القتال وإستخدام كافة الإمكانيات المتاحة لتدمير العدو والذى ظهر جلياً إعتباراً من 5 يونيو وما تلاها وصولا لحرب الإستنزاف ببطولاتها.

فى أعقاب حرب 1967 إستخدمت الوسائل الثقافية بشكل متميز وأرى أنها أدت دورها وخدمت القضايا الوطنية بحرفية.

من ضمن أسباب إختيار إسرائيل لـ 5 يونيو بوادر هجرة اليهود لخارج إسرائيل.

تعتبر حرب 1967 نقطة تحول لبدء تخلى الدولة عن دورها الإقتصادى الشمولى والذى ثبت بعد ذلك عدم نجاح النظام الإشتراكى فى حل المشاكل.

أثرت حرب 1967 على الصناعات الثقيلة كذا حرب اليمن حيث أثرت على المصانع وقطع الغيار وأرجئت الخطط الخمسية حتى عام 1974.

ولكن إستطاعت الصناعة المصرية تحقيق الإكتفاء الذاتى للقطاع الحربى والمدنى.

المردود الإقتصادى والثقافى من تراجع للتنمية جعل مصر طاردة للكفاءات فى ظل تواجد دول أخرى جاذبة للكفاءات فالتعليم المجانى فى مصر قابله إرتفاع نسبة المهاجرين للخارج.

المردود الاجتماعى لهجرة المصريين للخارج أثر على الأسرة المصرية (نواة المجتمع) ثم ظهرت القيمة الغائبة لرب الأسرة سواء داخل مصر أو خارجها فإنهارت القيم والمثل والتقاليد والتى يجب العمل على استعادتها بإستخدام كافة الوسائل الثقافية.

بقلم / لواء بحرى اح محمود متولى 

خبير عسكرى واستراتيجى

عضو المجمع العلمى المصرى

أمين عام الصالون البحرى

زر الذهاب إلى الأعلى