عرب وعالم

أبو الغيط: منتدى التعاون العربي الصيني تأسيس استراتيجي للعلاقات المشتركة

كتب – أيمن عامر

ينطلق المؤتمر الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي بعد غداً الخميس فى العاصمة الصينية بكين، بمشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الصيني شي جين بينغ وقادة دول الإمارات العربية المتحدة والبحرين وتونس، حيث يبحث المنتدى إحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ودعم حل الدولتين يعقد في بكين.

ويعد مشاركة القادة العرب في اجتماعات منتدى التعاون الصيني – العربي، رسالة لتأكيد العمل على تعزيز العلاقات مع الصين، التي تسعى في المقابل للانخراط بشكل أكبر مع القضايا السياسية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط.

ويعكس الحضور العربي الرفيع للنسخة العاشرة من المنتدى الصيني العربي مستوى الشراكة المتنامي بين الصين والدول العربية في السنوات الأخيرة، حيث أن هناك نحو 12 دولة عربية تحتفظ بعلاقات شراكة استراتيجية شاملة مع الصين حالياً.

كما أن الاستثمارات الصينية في الدول العربية تقارب 250 مليار دولار، وحجم التجارة الصينية مع الدول العربية يقارب نصف تريليون دولار.

وكتب أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية مقالاً على الموقع الرسمي للأمانة العامة، بعنوان “العلاقات العربية الصينية ومنتدى التعاون العربي الصيني” قال فيه : يعد تأسيس منتدى التعاون الصيني- العربي قراراً استراتيجيا اتخذته الصين وجامعة الدول العربية بهدف تطوير العلاقات الصينية – العربية على المدى الطويل.

وتابع فى مقاله ، تمتد العلاقات العربية الصينية بجذورها في أعماق التاريخ، فقد عرف العرب منذ القدم أن الصين دولة ذات حضارة عريقة، ومن جانبهم عرف الصينيون القدماء الحضارة العربية، خاصة عبر طريق الحرير القديم، الذي لم يكن طريقا للتجارة فحسب، بل كان أيضا جسرا للتواصل الثقافي والتفاعل الحضاري.

وأنتجت العلاقات بين الجانبين تفاعلات مثمرة وممتدة عبر قرون من التواصل. كما أسهم الرحالة والجغرافيون والمؤرخون العرب في تعزيز المعرفة المتبادلة بين الشعبين، بعد أن زاروا الصين ووصفوها وتحدثوا عنها. وعلى سبيل المثال وصف الرحالة العربي الشهير “ابن بطوطة” أحوال الصين بدقة.

وتحدث بإعجاب كبير عن الاحترام الذي حظي به المسلمون في مختلف المدن الصينية التي زارها، كما ذكر في رحلته ذائعة الصيت تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار.

وفي العصر الحديث تبادل الجانبان التضامن والدعم في القضايا ذات الأهتمام المشترك، وتم إبرام العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية الصين الشعبية منذ نشأتها في عام 1949 ،والدول العربية بعد حصولها تباعا على الاستقلال، كما دعمت الدول العربية حصول جمهورية الصين الشعبية على مقعدها في الأمم المتحدة.

غير أن التعاون بين الجانبين شهد ديناميكية كبيرة منذ بداية القرن الحالي إذ أصبحت العلاقات مع جمهورية الصين الشعبية في صلب اهتمامات الدبلوماسية العربية الجماعية، وكان الإعلان عن إقامة منتدى التعاون العربي الصيني أحد أهم أحداث العلاقات العربية – الصينية في الأعوام الخمسين الأخيرة.

وكان ذلك خلال الزيارة التاريخية للرئيس الصيني السابق “هو جينتاو” إلى مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بتاريخ 30/1/2004؛ حيث جرى التوقيع على وثيقة إعلان المنتدى يوم 14/9/2004 في القاهرة.

ويشكل هذا المنتدى نقلة نوعية في مسيرة العلاقات العربية الصينية، فقد وفر إطارا مهما للتعاون الجماعي، جمع لأول مرة في التاريخ بين الصين وكافة الدول العربية.

والواقع أن تأسيس منتدى التعاون العربي الصيني جاء في وقت تزايد فيه الأهتمام الدولي بالقارة الأسيوية، ولم تكن الجامعة العربية بمعزل عن هذا المنحى الدولي حيث أدركت هي الأخرى أهمية تنويع شراكاتها بالتوجه نحو الشرق وتعزيز التعاون مع الدول النافذة في القارة الأسيوية ومن أبرزها الصين.

ومنذ تأسيس المنتدى شهد التعاون العربي الصيني الجماعي طفرة حقيقية، وتشعبت آلياته لتشمل مختلف مجالات التعاون السياسية والاقتصادية والثقافية والعالمية والتنموية، وعقدت العديد من الاجتماعات والفعاليات في هذا الإطار.

وشهد التعاون بين الجانبين تطورا مهما بانعقاد القمة العربية الصينية الأولى يوم 9 ديسمبر  2022 في الرياض، وأسفرت هذه القمة، الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات بين الجانبين، عن نتائج مهمة.

كما تم اعتماد ثلاث وثائق هي: إعلان الرياض، ووثيقة الخطوط العريضة لخطة التعاون الشامل بين جمهورية الصين الشعبية والدول العربية، ووثيقة تعميق الشراكة االاستراتيجية العربية الصينية من أجل السالم والتنمية.

ويرجع نجاح هذا المنتدى في المقام الأول إلى توفر الإيرادة السياسية لدى الجانبين، وكذلك جدية الالتزام بتنفيذ بنود البرامج التنفيذية للمنتدى، وانتهاج المسلك التدريجي في توسيع المنتدى وتطوير آلياته، وهو ما مكن من تحقيق نتائج ملموسة أسهمت في تعزيز التواصل والتعاون بين الصين والدول العربية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعالمية وغيرها.

وانعكس ذلك بشكل إيجابي على نمو واتساع العلاقات التجارية بين الدول العربية والصين التي أصبحت من أكبر الشركاء التجاريين للدول العربية، إذ تضاعف حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية أكثر من عشر مرات منذ إنشاء المنتدى، حيث انتقل من 7.36 مليار دوالر في عام 2004 الى 400 مليار دوالر عام 2023.

ومن المتوقع أن يواصل هذا المنتدى مسيرته بخطى ثابتة في ظل الافاق الواعدة للعلاقات العربية الصينية، وتوافر الإرادة المشتركة لدى الجانبين العربي والصيني للمضي قدما في طريق التعاون والعمل المشترك.

وأكد الأمين العام لجامعة الدول فى مقاله، أن التعاون العربي الصيني يقوم على احترام مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وميثاق جامعة الدول العربية ومبادئ التعايش السلمي والسعي إلى تحقيق السلام والأمن الدوليين بإتباع الوسائل السلمية في حل النزاعات الدولية، ونبذ استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية وتكريس مبدأ المساواة في السيادة والاحترام المتبادل لاستقلال الدول ووحدتها وسلامة أراضيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

كما يسعى الجانبان العربي والصيني من خلال الاجتماعات المشتركة الى تنسيق المواقف بشأن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وتأييد كل طرف للطرف الأخر  في صيانة الاستقلال والسيادة وسلامة الأراضى، فالصين تؤيد الدول العربية في قضاياها العادلة المشروعة وحماية مصالحها الوطنية كما أن الدول العربية تؤكد على موقفها الداعم لمبدأ الصين الواحدة.

وفي هذا الصدد أكد الجانب الصيني في مناسبات عدة تأييد الصين لجهود الشعب الفلسطيني من أجل استرجاع حقوقه الوطنية المشروعة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والدفع بعملية السلام إلى الأمام على أساس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ومبدأ الأرض مقابل السلام ومبادرة السلام العربية.

ومن جانب آخر ما فتئت الصين تقدم مساعدات إنسانية هامة للشعب الفلسطيني، وقد أشار الرئيس الصيني شي جينبينغ في كلمته في القمة العربية الصينية الأولى المنعقدة في الرياض يوم 9/12/2022 إلى أنه: لا يمكن أن يستمر الظلم التاريخي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني إلى أجل غير مسمى، ولا تجوز المساومة على الحقوق الوطنية المشروعة.

كما أن التطلعات لإقامة دولة مستقلة لا تقبل الرفض”… “وأن الجانب الصيني يدعم بكل ثبات إقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة الكاملة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ويدعم نيل فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وسيواصل تقديم المساعدات الإنسانية إلى الجانب الفلسطيني.

لقد كانت تلك المواقف الداعمة للقضية الفلسطينية، وذلك الدعم الإنساني للشعب الفلسطيني ولوكالة الأونروا من الجانب الصيني محل تقدير عال من الجانب العربي الذي يتطلع إلى أن استمرار هذا الدعم وذلك التأييد.

وثمن دور جمهورية الصين الشعبية ومواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية في الأمم المتحدة، وهو دور هام للغاية كون الصين عضو دائم في مجلس الأمن، وهو ما عكسته مواقفها من العدوان الوحشي على قطاع غزة، إذ وقفت الصين الى جانب الحق والعدالة، وعبرت عن تأييد واضح لقضية الشعب الفلسطيني العادلة.

يحتفي الجانبان خلال العام الجاري بمرور عشرين عاما على انشاء منتدى التعاون العربي الصيني، ونتطلع الى أن تسفر الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري للمنتدى، المزمع عقدها أواخر الشهر الجاري في بيجين، عن نتائج إيجابية ترقى الى تطلعات الشعبين العربي والصيني، وتعكس ما يجمعهما من إرث حضاري مشترك وآمال كبيرة في مستقبل واعد.

زر الذهاب إلى الأعلى