فاتن دونغ تكتب : الهيمنة الأحادية لا تحظى بقبول الشعوب والتعاون المربح للجميع هو الطريق الصحيح

بقلم : فاتن دونغ، إعلامية صينية
في خطوة تعكس توجّهًا متصاعدًا نحو الأحادية، فرضت الولايات المتحدة مؤخرًا رسومًا جمركية تعسفية على جميع شركائها التجاريين، بما في ذلك الصين، متذرعةً بحجج لا تصمد أمام أبسط قواعد الاقتصاد. لم يكن مفاجئًا أن ترد الصين بشكل حازم وسريع، مؤكدةً رفضها القاطع لمثل هذه الإجراءات التي لا تخدم إلا منطق الهيمنة والبلطجة الاقتصادية.
وكما أوضح وزير الخارجية الصيني وانغ يي، فإن موقف الصين لم ينبع فقط من حرصها على الدفاع عن مصالحها المشروعة، بل أيضًا من التزامها بمسؤولياتها كقوة فاعلة في النظام الدولي لتجنب عودة البشرية إلى عالم الغابة حيث يسود منطق القوة.
من هنا، يصبح من الضروري التأكيد أن البلطجة الاقتصادية لا يمكن التسامح معها، وأن صون القواعد هو السبيل الوحيد لتفادي الفوضى. تجربة الصين التنموية لم تكن يوماً هدية من أحد، ولن تتراجع تحت التهديد. موقفها في هذه المواجهة الخالية من الدخان يجسد المعنى الحقيقي لعدم الرضوخ للبلطجة بروح وطنية ومسؤولية تاريخية.
إن سلاسل الصناعة والتوريد التي نراها اليوم لم تتشكل صدفة، بل نشأت خلال عقود من العولمة الاقتصادية، وتطورت عبر التوازن والتكامل. فقد استفادت الدول المتقدمة من التكنولوجيا المتطورة وتقليل التكاليف البيئية عبر الاستعانة بالإنتاج الخارجي، فيما استخدمت الدول النامية مزاياها النسبية في استقبال التحول الصناعي. النتيجة كانت رابحًا مشتركًا، لا ضحية.
رغم ذلك، تصرّ واشنطن على خطاب “إعادة التصنيع”، لكنها تتجاهل حقيقة أن الرسوم المرتفعة لن تغيّر من واقع ارتفاع تكلفة العمالة أو تراجع الكفاءة الإنتاجية في الداخل ولن تحل مشاكل العجز التجاري أو ضعف التنافسية، بل ستزيد من أعباء المعيشة على المواطن الأميركي. كما أن إعادة هيكلة سلاسل الإمداد ليست قراراً سياسياً سهلاً بل عملية مكلفة للغاية. ما تقوم به الولايات المتحدة يهدد أمن واستقرار سلاسل الإمداد العالمية ويكشف عن قصر نظر استراتيجي.
التجارة العالمية هي محرك أساسي للنمو والازدهار الاقتصادي. وقد بُني النظام التجاري متعدد الأطراف بعد الحرب العالمية الثانية بجهود أجيال متعاقبة، وحقق منافع لمعظم دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة. وقد أشارت المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، نغوزي أوكونجو إيويالا، في مقال حديث بعنوان “الولايات المتحدة هي الرابح الأكبر من التجارة”، إلى حقيقة تتجاهلها واشنطن عمداً، وهي أن الولايات المتحدة ليست فقط مستفيدةً من النظام التجاري العالمي، بل تتمتع بميزة مطلقة في قطاع الخدمات التجارية.
من جهة أخرى، فإن التنمية حق أصيل لكل الشعوب، وليست حكرًا على قلة مميزة. وفي ظل تفاوت واضح في مستويات التنمية، فإن فرض رسوم إضافية من قبل الولايات المتحدة لا يؤدي سوى إلى توسيع الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة، وستعاني الدول الأقل نموًا من تأثير أكبر، مما سيضر بشدة بجهود تحقيق أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030. إن استغلال الولايات المتحدة لمكانتها لفرض رسوم جمركية تعسفية، وإهمالها لحقوق الدول الأخرى، خاصة دول الجنوب العالمي، يتناقض تماماً مع مبدأ العدالة الدولية ويسيء إلى مصداقيتها.
وفي مقابل هذه السياسات الانعزالية، تتحرك الصين بثقة وانفتاح. فهي لا تدافع فقط عن مصالحها الوطنية، بل تواصل التزامها بالانفتاح وتيسير التجارة، وتطرح سياسات تجارية واستثمارية عالية المستوى تخدم التعاون الدولي. إعفاءات جمركية كاملة على جميع السلع المدرجة من الدول الأقل نمواً التي تربطها بها علاقات دبلوماسية، وفي مقدمتها 33 دولة أفريقية، لتصبح بذلك أول دولة نامية وكبرى في العالم تطبق هذا الإجراء. وبفضل هذه المبادرة، ستتمكن المنتجات الزراعية عالية الجودة من الدول الأفريقية الأقل نمواً، مثل الأناناس من بنين، والقهوة من إثيوبيا، والفلفل الحار من رواندا، من دخول السوق الصينية بشكل أسرع، مما يخلق فرصاً تنموية أكبر لتلك الدول.
بهذه الخطوات العملية، تدعم الصين نهوض الجنوب العالمي، وتقدم نموذجاً مغايراً تماماً للسياسات الأنانية التي تنتهجها بعض الدول الغربية من خلال وضع الحواجز وفرض الشروط.
الانفتاح والتعاون هما اتجاه التاريخ، والمنفعة المتبادلة هي رغبة الشعوب. وسيثبت التاريخ أن من يختار طريق العدالة والشراكة، هو من يملك المستقبل فعلًا.
https://x.com/FatenDyl