الابتكار التكنولوجي يزيد من تطوير القوى الإنتاجية الزراعية جديدة النوعية

بقلم ليانغ سوو لي
إعلامية صينية
يشهد القطاع الزراعي العالمي اليوم تحولا عميقا مدفوعا بالتكنولوجيا. وباعتبارها دولة زراعية كبرى، تسعى الصين لضمان أمنها الغذائي، عن طريق استكشاف مسار التطوير الزراعي القائم على الابتكار التكنولوجي وهو ما لا يمس فقط تحديث القطاع الزراعي محليا، بل يحمل أيضا أهمية عالمية للأمن الغذائي والتنمية المستدامة. في هذا السياق، يعد “تطوير القوى الإنتاجية الزراعية الجديدة النوعية للزراعة” المطروحة في “الوثيقة المركزية رقم 1” في بداية العام الجاري استجابة استراتيجية لهذا الاتجاه.
ظلت الزراعة التقليدية معتمدة على الموارد الطبيعية والعمل اليدوي، ومواجهة التحديات مثل انخفاض الكفاءة الإنتاجية، وضعف القدرة على مواجهة المخاطر، والاستهلاك الكبير للموارد. وعلي الرغم أن إنتاج الحبوب في الصين ظل مستقرا لمدة تسع سنوات فوق 1.3 تريليون جين (حوالي 650 مليون طن)، إلا أن الوضع القائم المتمثل في قلة الأراضي الزراعية مقارنة بالكثافة السكانية والتوازن الضيق بين العرض والطلب على الحبوب لم يتغير بشكل جذري، بالإضافة إلى ذلك، فإن التحديات مثل انخفاض الفوائد النسبية وتقلص موارد الأراضي الصالحة للزراعة، وضعف القدرة التنافسية وتفاقم تغير المناخ العالمية، تجعل المسار التقليدي غير قادر على تلبية متطلبات التنمية العالية الجودة.
في ظل هذه التحديات، أصبح الابتكار التكنولوجي هو المفتاح للتغلب على قيود الموارد الزراعية وتعزيز القدرة التنافسية العالمية. وكما يؤكد المحللون، فإن جوهر “القوى الإنتاجية الجديدة النوعية” يكمن في “دفع التنمية العالية الجودة عبر الابتكار”، حيث يتجلى “الجديدة” في الابتكار الشامل للاكتشافات العلمية والمخططات التكنولوجية وعوامل الإنتاج ومنتجات المعدات، بينما تتمثل “النوعية” في التحول نحو الزراعة الذكية والدقيقة وتعزيز الدور الاستراتيجي للابتكار.
يعمل الابتكار التكنولوجي على إعادة تشكيل السلسلة الكاملة للصناعة الزراعية. في مرحلة الزراعة، تُستخدم إنترنت الأشياء والطائرات المسيّرة وتكنولوجيا الاستشعار عن بعد لمراقبة التربة والمناخ في الوقت الفعلي، مما يحول نمط الزراعة التقليدي القائم على الظروف الطبيعية إلى النمط الذكي المعتمد على التكنولوجيا. كما أدى انتشار المعدات الزراعية الذكية إلى أتمتة عمليات الزراعة ومكافحة الآفات، مما قلل بشكل كبير من تكاليف العمالة. وفي مجالات المعالجة والتوزيع، تضمن تقنية البلوك شين إمكانية تتبع سلسلة التوريد من المزرعة إلى المائدة، بينما يتيح تطوير صناعة الأغذية الجاهزة معايير رقمية موحدة، مما يخلق نمطا جديدا يدمج الزراعة والتصنيع والتجارة.
أما في مجال التكنولوجيا الحيوية، فقد أسهمت تقنيات مثل تحرير الجينات وتربية البذور بالتصميم الجزيئي في تعزيز مقاومة المحاصيل للأمراض، بل وأتاحت مشاريع مثل حماية أشجار الشاي القديمة تحقيق التوازن بين الفوائد البيئية والاقتصادية. هذه التحولات ليس فقط لزيادة الكفاءة الإنتاجية، ولكن أيضا لتحويل الزراعة من النمو الواسع النطاق إلى التنمية الخضراء المكثفة.
وفي الوقت الذي تعمل فيه الصين على تعزيز أمنها الغذائي، فإنها تقدم أيضا مساهمات ملموسة للتطور العالمي في هذا المجال. فمن خلال تطوير 120 مليون مو (حوالي 8 ملايين هكتار) من الأراضي الزراعية العالية الجودة، والترويج لتقنيات الري الموفر للمياه، تمكنت الصين من الحفاظ على استقرار إنتاجها الغذائي، مما وفر عنصر استقرار لأسعار الغذاء العالمية.
وعلى صعيد نقل التكنولوجيا، فإن إنترنت الأشياء الزراعية، وتقنيات التحكم الذكية الموفرة للمياه، والمعدات الزراعية الذكية التي تم تطويرها في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، تساعد مناطق الشرق الأوسط وأفريقيا على زيادة إنتاجية المحاصيل في المناطق القاحلة مع تحسين معدل استخدام المياه.
بينما تقدم أنماط الزراعة الإيكولوجية الدائرية وتقنيات الحد من الكربون نموذجا للدول النامية لتحقيق التحول نحو الزراعة المنخفضة الكربون، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.
يتطلب ضمان التنمية المستدامة للقوى الإنتاجية الزراعية الجديدة النوعية تكامل الجهود على مستوى السياسات وتنمية المواهب وتطوير الصناعة.
ينبغي على الحكومة إنشاء آلية تضمن نموا مستداما في الاستثمارات التكنولوجية وتعزيز التكامل بين البحث الأكاديمي والتطبيق الصناعي، مثل تشجيع الشركات على تحويل نتائج الأبحاث الزراعية إلى تطبيقات عملية عبر صناديق دعم البحوث المخصصة. وعلى صعيد المواهب، ينبغي العمل على تأهيل “المزارعين الجدد” الذين يمتلكون مهارات رقمية، وكذلك تقديم حوافز لدعم ريادة الأعمال الريفية بهدف جذب الشباب إلى قطاع الزراعة الذكية، مما يساعد في حل مشكلة “من سيزرع الأرض؟”. أما على المستوى الصناعي، فإن التركيز المسبق على مجالات مثل علم الأحياء التركيبي والزراعة الرقمية سيضمن موقعا متقدما في السباق التكنولوجي المستقبلي. ومع ذلك، ينبغي أن تأخذ عملية التحول في الاعتبار الظروف الوطنية، حيث لا يزال الإنتاج الزراعي الصغير النطاق يتعايش مع العمليات الزراعية الواسعة النطاق، مما يتطلب نهجا مرنا في تطبيق التكنولوجيا، لتجنب الإصلاحات التي تتبع سياسة “المقاس الواحد للجميع”.
ومن خلال هذا النهج، يمكن بناء نظام زراعي حديث يتميز بالكفاءة والاستدامة والتوازن بين الإنسان والطبيعة، بحيث يتحقق التكامل بين التكنولوجيا والحفاظ على البيئة.
هذه الثورة الزراعية القائمة على التكنولوجيا ليست مجرد تحول في الإنتاجية، بل هي تحول مزدوج في قوى الإنتاج وعلاقاته. فمن تكنولوجيا التربية الجزئية إلى المعدات الزراعية الذكية، ومن المزارع الرقمية إلى التعاون الدولي، تعمل الصين على صياغة مستقبل الزراعة الحديثة من خلال الابتكار.
هذا التحول لا يضمن فقط أمن الغذاء لـ1.4 مليار نسمة، بل يساهم أيضا في مواجهة تحديات الأمن الغذائي العالمي من خلال تبادل التكنولوجيا والأنماط الناجحة. ومع تسليط ضوء الابتكار على الحقول الزراعية التقليدية، لن تُعتبر الزراعة بعد الآن قطاعًا متخلفًا، بل ستصبح صناعة مستقبلية مليئة بالحيوية، متألقة على طريق التنمية الخضراء.