وجهة نظر السيد هانى : من المسئول عن انهيار الصحف القومية .. وتليفزيون ماسبيرو .. ؟

بقلم : السيد هانى ..
يوما ما .. كان توزيع بعض الصحف القومية فى مصر .. يتخطى حاجز المليون نسخة يوميا ..
الآن .. انخفضت أرقام توزيع نفس الصحف إلى مادون العشرة آلاف نسخة يوميا فى بعض الأحيان ..!
لا يستطيع أحد توجيه اللوم لرؤساء تحرير الصحف .. لأن لديهم “شماعة” جاهزة .. هى شبكة “الإنترنت”.. التى جعلت كل شئ يتوفر للقارئ على هاتفه المحمول ..
والحقيقة أنها “شماعة” قوية .. تدفع اللوم عن رؤساء التحرير .. وتضمن لهم البراءة .. على الرغم من أنهم يتحملون .. بدرجة ما .. قسطا من المسئولية .. لأن “الصحافة الورقية” مازالت .. وستظل لها تأثيرها وبريقها الذى يجذب العديد من القراء ..
الحقيقة أيضا .. من واقع تجربتى فى العمل بجريدة الجمهورية قرابة النصف قرن .. أن مؤسسات الإعلام القومى فى مصر .. صحف وتليفزيون .. تعرضت ل”ضرر” بالغ عندما تدخلت الدولة وبدأت فى تهميش وإضعاف هذه المؤسسات .. لصالح الإعلام الخاص ..!
القصة بدأت منذ حوالى ٢٠ سنة تقريبا.. عندما تصور بعض من بيدهم القرار فى الدولة أن التأثير على الرأى العام المصرى .. سيكون أسرع وأقوى عن طريق الصحف الخاصة .. لأن المواطن يقبل عليها ويثق فيما تنشره .. فاتجهت الدولة إلى دعم هذه الصحف بكل قوة .. وأدارت ظهرها للصحف القومية ..
بعض الصحف الخاصة كانت تحصل على دعم مالى من السفارة الأمريكية فى القاهرة (هذا مكتوب بوضوح فى وثائق ويكيليكس؛ وسبق أن نشرته فى مقالاتى بجريدة الجمهورية) .. فضلا عن الدعم الذى كانت تحصل عليه أيضا الصحف الخاصة من جهات أجنبية أخرى .. بصورة مباشرة أو غير مباشرة ..
قبل أن أترك هذه النقطة .. سأوضح أن الدعم غير المباشر ، يأتى عن طريق إنشاء هذه الصحيفة .. وكذلك فعل بعض كتابها .. مركز أبحاث استراتيجى .. فتقوم إحدى المؤسسات أو الجامعات الأجنبية بالإتفاق مع هذا المركز .. على تنظيم مؤتمر لمناقشة قضية صعبة الحل .. كقضية السلام فى الشرق الأوسط مثلا .. وتحت بند المشاركة فى تحمل نفقات إنعقاد هذا المؤتمر .. يتم ضخ الأموال الأجنبية .. ولأن قضية السلام صعبة الحل .. لابد من عقد جولة ثانية من المؤتمر فى إحدى العواصم الأجنبية .. يتم دعوة بعض المفكرين والمثقفين المصريين .. من ذوى الأفكار المنفتحة .. خطوة خطوة .. يعتنق هؤلاء المثقفون الأفكار الأجنبية .. فى الدين وفى السياسة وفى الحريات الشخصية ..!
أعود للحديث عما جرى فى بعض الصحف الخاصة .. فمن أموال السفارة الأمريكية (المذكورة بالأرقام فى وثائق ويكيليكس وسبق أن نشرتها فى مقالى بالجمهورية) .. تقوم الصحف الخاصة بدفع مكافآت عالية جدا للكتاب فيها .. فيسيل لعاب كبار الكتاب .. بما فى ذلك الذين يتقاضون مرتبات عالية من مؤسسة الأهرام .. ويهرولون إليها .. فتصنع منهم نجوما .. ويصبحون مؤثرين فى توجهات الرأى العام المصرى .. بما يخدم صاحب المال الأمريكى .. القصة طويلة ..!
ونظرا لأن أصحاب القرار فى مصر تلك الفترة .. كانوا أكثر ذكاء من بقية الشعب المصرى .. وظنوا أنهم يستطيعون دفع الأمور فى الإتجاه المعاكس للمنطق .. فقد عمدوا إلى إضعاف الإعلام القومى لحساب الإعلام الخاص .. وذلك عن طريقين:
١- تقليص الموارد المالية للإعلام القومى .. وهذه مسألة يطول الكلام والشرح فيها .. وتتصل ب”كعكة” الإعلانات التى كانت توجه – بالأمر أحيانا- إلى بعض الصحف الخاصة ..
٢- إسناد عملية اختيار القيادات فى المؤسسات الإعلامية القومية .. إلى الجهات الأمنية .. فتقوم الجهات الأمنية باختيار العناصر المتعاونة معها .. لكى تظل علاقتها بالإعلام القومى (سمن على عسل) ..!
* * *
فى مجال التليفزيون .. الكل يعلم .. أن الفضائيات التى أنشأتها بعض الجهات الرسمية فى الدولة .. وتبث من مدينة الإنتاج الإعلامى .. لم تملأ الفراغ الذى نتج عن الإضعاف المتعمد لماسبيرو ..
ورغم أنه تم إنفاق مليارات الجنيهات على هذه الفضائيات .. إلا أنها ظلت محدودة التأثير .. ولم تحقق أى مصلحة لمصر .. بل كانت مجرد “سبوبة” لإبتلاع المليارت من أموال الشعب المصرى ..!
* * *
أقول .. وأؤكد :
————————
لن تقوم للإعلام المصرى قائمة .. سوى بإغلاق “بالوعات الفساد” .. والعودة إلى دعم مؤسسات الإعلام القومى .. الأهرام والأخبار والجمهورية ودار الهلال وروزاليوسف ودار المعارف ..
هذا يتطلب تنحية ٩٠% من القيادات الإعلامية الحالية .. واستدعاء الكفاءات الحقيقية التى تم إبعادها .. لكى تتولى القيادة فى مؤسسات الإعلام القومية ..
الوسط الإعلامى فى مصر الآن أصبح يموج بالمهازل والمساخر ..!
ولا تلومنى عندما استخدم كلمة “مسخرة” فى الوصف .. وقل لى أنت : بماذا أصف الوضع الذى وصل ب “تاجرة مخدرات” لتكون مذيعة ومقدمة برامج فى عدد من الفضائيات الخاصة ..!!
* * *
بقيت كلمة ..
——————-
لابد أن أقولها مضطرا عن نفسى .. وهى باختصار شديد ..
أن إيمانى بدور الصحف القومية .. وبالرسالة المقدسة التى يجب أن تؤديها فى المجتمع .. جعلنى أضع كل جهدى وطاقاتى ووقتى .. لجريدة “الجمهورية” .. لم أحاول .. ولم أفكر يوما من الأيام .. فى الكتابة لأى صحيفة مصرية غيرها على الرغم من المشاكل والمتاعب التى واجهتها فى جريدة “الجمهورية” ..
وليشهد على ذلك جميع زملائى رؤساء تحرير الصحف الخاصة والحزبية .. لم أطلب من أى أحد منهم .. فى أى يوم من الأيام .. أن أكتب عمودا أو مقالا اسبوعيا فى جريدته ..!
لأننى أؤمن .. بأن أصول المهنة تقتضى أن يعمل الصحفى ويكتب فى جريدة واحدة .. مكتفيا بالنشر فيها .. ولا يتجه إلى غيرها .. مهما كانت الأسباب ..!
وإلا فما معنى : السبق الصحفى .. إذا كان الصحفى يبيع الخبر .. أو المقال .. لصحيفة أخرى غير التى يعمل فيها ..!!
——————————-
السيد هانى ..
نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية ..
الكاتب المتخصص فى الشئون الدولية ..
عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية ..