أيمن عقيل يكتب : سيف ترامب على ذهب المعز

بقلم / أيمن عقيل
في زمن المعز لدين الفاطمي عندما سأل عبد الله العلوي المعز إلى من تنتسب يا مولانا؟ رد عليه المعز: إنما سأعقد لكم مجلسا وأرد عليكم وعقد -بالفعل- مجلسه، وفيه أخرج سيفه، وقال: هذا نسبي. ثم أخرج صرة دنانير، وفي رواية أخرى أخرج ذهبا وقال: وهذا حسبي. من هذه الحكاية الذي راجت من وقتها أخذ القول المأثور “سيف المعز وذهبه ” وبات الناس يستدعون هذا المثل للدلالة على سياسة يتبعها البعض للترهيب من خلال السيف تارة والترغيب من خلال الذهب تارة أخرى.
وهذا القول المأثور يذكرني بتصرفات الرئيس الأمريكي السابع والأربعين للولايات المتحدة الذي يصادف 20 مارس 2025 ستون يومًا على تنصيبه رئيسًا لولاية ثانية للولايات المتحدة، فترامب الذي يبلغ من العمر 78 عامًا وقع 83 أمرًا تنفيذيًا حتى 10 مارس 2025 وبحسب السجل الفيدرالي الأمريكي لم يسبق لرئيس أمريكي التوقيع على هذا العدد الهائل من الأوامر التنفيذية في بداية ولايته. معظم هذه الأوامر التنفيذية تخص الداخل الأمريكي لكن بعضها أوامر تنفيذية ذات صلة بعلاقة أمريكا بالخارج وعلاقتها بالدول الأخرى . فما الذي يريد أن يٌبينه ترامب للخارج.
فمنذ أن دخل ترامب البيت الأبيض في ولايته الثانية، وهو يعتمد على سياسة الترهيب لخصومه وأطلق على هذه السياسية الترهيبية ( السلام من خلال القوة).
واتخذ مجموعة من الإجراءات التي توحي بأنه يحاول أن يبرز سيفه في وجه خصومه أو أعدائه إن جاز لنًا أن نقول ذلك.
فقد توسعت قائمة الأهداف العسكرية المحتملة للولايات المتحدة الأمريكية . وبالفعل قامت القوات الجوية الأمريكية بضرب أهداف في الصومال قيل إنها لمكافحة الإرهاب، وأمر بتنفيذ هجمات عسكرية على الحوثيين في اليمن، هدد أكثر من مرة بإن الشرق الأوسط ينتظر جحيما. لوح ترامب باستخدام القوة للسيطرة على قناة بنما. كما ألغي ترامب القيود التي فرضتها الإدارة الأمريكية السابقة على بيع الأسلحة لحليفها الإستراتيجي سلطة الاحتلال الاسرائيلي، وبالفعل استلمت سلطة الاحتلال الإسرائيلي في فبراير 2025 شحنة قنابل “MK-84” من الولايات المتحدة، وهي قنابل استراتيجية تحتوي على 429 كيلوغراما من المتفجرات مرتفعة القوة، وتستطيع اختراق نحو 38 سنتيمترًا من المعدن أو حوالي 3.35 أمتار من الخرسانة المسلحة، مما يجعلها قادرة على اختراق الأهداف المحصنة.
هذه القوة الذي يحاول ترامب أن يلوح بها لخصومه وهو السيف الذي يحاول اظهاره لكل من اعترض على سياساته ينطبق على العبارة الأولى من القول المأثور” سيف المعز ” ، لكن اين ذهب المعز ؟، يبدو إن ترامب اختار السيف فقط و تناسي ذهبه، وعلى النقيض أوقف ترامب تمويل عدد من الهيئات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية ومجلس حقوق الانسان، وزعم أن أمريكا قدمت 350 مليار لأوكرانيا، وهدد دول أخري بقطع المساعدات عنها، وزعم إنه يدفع مئات المليارات لكندًا طالبًا ضمها لتكون الولاية رقم 51 للولايات المتحدة الأمريكية.
وللأسف ترامب الذي يبٌرز سيفه في وجه الأخرين، عينه على ذهبهم أيضا فقال في وقت سابق من شهر فبراير 2025 إنه يريد ما يوازي 500 مليار دولار من إيرادات المعادن التي تتميز بالندرة في أوكرانيا كشرط لبقاء التعاون.
أوكرانيا ليست الوحيدة الذي يبحث فيها ترامب عن الذهب المزعوم، فطلبت الإدارة الأمريكية من دولة الكونغو الديمقراطية صفقة معادن أخرى مقابل الأمن والحماية من ميليشيا 23 مارس الإرهابية.
الكونغو لديها نصف موارد العالم وربما أكثر من معدن الكوبالت، المستخدم في صناعة بطاريات الهواتف الذكية وبطاريات السيارات، ويوجد أكثر من 65 منجمًا لاستخراج هذا المعدن في جمهورية الكونغو الديمقراطية. كما تمتلك 80% من معدن الكولتان والذي يدخل في صناعة الهواتف الذكية بالإضافة إلى احتياطيات ضخمة من الذهب ، فوجد فيها ترامب فرصة كبيرة للحصول على هذه الموارد النادرة
وسرعان ما انتهز ترامب هذه الفرصة ليعين بحسب تقارير صحفية صهره مسعد بولس الذي يعمل كبير المستشارين للشؤون العربية والشرق أوسطية- مبعوثا خاصا إلى منطقة البحيرات الكبرى في شرق أفريقيا ليكون عين ترامب في الكونغو الديمقراطية وليدفع نحو عقد صفقة توفر للولايات المتحدة مليارات الدولارات فبعد أن كانت الولايات المتحدة تتباهى بالاغداق على الدول الفقيرة. باتت هي من تلجئ إليها لتساومها مقابل أمنها واستقرارها على مواردها
ولعلنا نتذكر أن لدى الولايات المتحدة قانون دود – فرانك لإصلاح وول ستريت وحماية المستهلك، الذي دخل حيز النفاذ في عام 2014، وينص على أن تقدم المؤسسات التجارية المسجلة في الولايات المتحدة تقريراً سنوياً عن التدابير التي تتخذها لبذل العناية الواجبة عندما تقٌدم على تصنيع منتجات تحتوي على أربعة معادن ترتبط بالنزاعات وهذه المعادن هي ” القصدير والتنتالوم والتنغستن والذهب” أو تستخدمها في سلاسل التوريد الخاصة بها، إذا كان منشأ أي من هذه المعادن جمهورية الكونغو الديمقراطية.
ولنا أن نتساءل ما مصير هذا القانون عندمًا يعقد ترامب صفقة المعادن مع الكونغو الديمقراطية، هل سيجعل هذا القانون ساريًا أم سيسعي نحو الغاءه؟ من وجهة نظري إنه سيدعو لإلغائه وإن غدا لناظره لقريب.