الهيمنة الأمريكية لفرض الرسوم الجمركية الأحادية وآثارها العالمية

بقلم ليانغ سوو لي
إعلامية صينية
في فبراير الجاري، أصدرت الحكومة الأمريكية سلسلة من السياسات الأحادية المتعلقة بالرسوم الجمركية، مما ألحق صدمات قوية في المجالات الاقتصادية والسياسية على مستوى العالم. وتحديدا في 13 فبراير الجاري، أعلن ترامب عن قراره الأخير بشأن الرسوم الجمركية، مشيرا إلى أنه سيتم فرض “رسوم جمركية متبادلة” على شركاء الولايات المتحدة التجاريين في الأسابيع أو الأشهر القادمة. وقبل ذلك بثلاثة أيام، وقع ترامب أمرا تنفيذيا بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على جميع واردات الصلب والألومنيوم إلى الولايات المتحدة من كافة الدول بلا استثناء. تشكل هذه الإجراءات، إلى جانب الأمر التنفيذي الذي صدر في بداية فبراير الجاري، بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 25% على السلع المستوردة من كندا والمكسيك، و10% على الواردات من الصين، مجموعة من السياسات الجديدة للحماية التجارية في الولايات المتحدة.
ليس من الصعب أن نرى منطق الهيمنة الكامن وراء هذه السياسات الجمركية الأحادية. على الصعيد الاقتصادي، تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق هدف مزدوج من خلال فرض الحواجز الجمركية: من جهة، خفض العجز التجاري وحماية صناعاتها؛ ومن جهة أخرى، نقل مشكلات مثل اختلال التوازن الهيكلي الاقتصادي إلى البلدان الأخرى. ومع ذلك، أشارت مؤسسة الضرائب (Tax Foundation)، وهي مؤسسة بحثية غير حزبية، إلى أن هذه الجولة من الرسوم الجمركية ستؤدي إلى زيادة الضرائب على كل أسرة أمريكية بمتوسط 830 دولارا. هذه الممارسات التي تضر بالآخرين دون أن تفيد نفسها هي في جوهرها استخدام الرسوم الجمركية كسلاح اقتصادي لإعادة تشكيل النظام التجاري بما يخدم تعظيم مصالح الولايات المتحدة.
على الصعيد السياسي، حولت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية إلى أداة للضغط السياسي، حيث ربطت القضايا التجارية بالأهداف السياسية. على سبيل المثال، في مفاوضاتها التجارية مع كندا والمكسيك، أدخلت الولايات المتحدة قضايا سياسية مثل الأمن الحدودي في نقاشاتها. هذه الممارسة لا تضر فقط بعدالة التجارة الدولية، بل تبرز أيضا منطق الهيمنة للولايات المتحدة في تسييس القضايا الاقتصادية.
تعتبر سياسة الرسوم الجمركية الأحادية التي تتبعها الولايات المتحدة تهديدا كبيرا على المستوى العالمي.
على الصعيد الاقتصادي، تزداد الضغوط التضخمية العالمية، ويتعرض استقرار سلاسل الإمداد العالمية للاضطراب. حيث أدت سياسة الرسوم الجمركية الأمريكية إلى رفع تكاليف السلع المستوردة، خاصة أسعار المواد الخام والمنتجات الوسيطة، مما يؤثر على تكاليف الإنتاج في الصناعة التحويلية على مستوى العالم. ومع تزايد عدم اليقين في سلاسل الإمداد، تواجه الشركات في مختلف الدول تكاليف إنتاج أعلى ونفقات لوجستية متزايدة. هذه التأثيرات المتتالية لا تؤثر فقط على آلية تحديد الأسعار في الأسواق العالمية، بل قد تجبر الشركات على إعادة ترتيب تخطيط سلاسل الإمداد، والبحث عن حلول إنتاج أكثر كفاءة من حيث التكلفة، مما يشكل تحديًا على انتعاش الاقتصاد العالمي.
على صعيد النظام الدولي، فإن الإجراءات الأحادية الأمريكية تسببت في إلحاق ضرر جسيم بالنظام التجاري المتعدد الأطراف. وانتهكت قواعد منظمة التجارة العالمية من خلال إساءة استخدام بند “استثناء الأمن الوطني” في فرض الرسوم الجمركية على الصلب والألومنيوم، واتبعت سياسة الرسوم الجمركية المعادلة ضد الشركاء التجاريين بلا تمييز، وأثارت ردود فعل عالمية مضادة، مما أدى إلى تعطل سلاسل الإمداد وزيادة الانقسام الاقتصادي. هذه الإجراءات لا تضعف فقط فعالية نظام التجارة المتعدد الأطراف، بل تؤدي أيضا إلى تدهور البيئة التجارية العالمية وقد تسبب ركودا اقتصاديا عالميا.
إن سياسة الرسوم الجمركية الأحادية الأمريكية هي تجسيد لمنطق الهيمنة، إذ أنها تنتهك القواعد العالمية بشكل سافر، وتدمّر سلاسل الإمداد بشكل مصطنع، وتجاهل مصالح الدول النامية، مما سيعود عليها في النهاية بالضرر. إن ما يحتاجه العالم في عام 2025 هو نظام تجاري مفتوح وشامل، وليس قانون الغاب الذي تهيمن عليه القوة. إن التخلي عن منطق الهيمنة والعودة إلى المسار الصحيح للحوار والتشاور هو السبيل الوحيد وشعاع النور والأمل في انتعاش الاقتصاد العالمي.
في مواجهة سياسة الرسوم الجمركية الأحادية الأمريكية، ينبغي للمجتمع الدولي توحيد الإرادة، ومعارضة الأحادية والحمائية التجارية وحماية النظام التجاري المتعدد الأطراف، والعمل معًا من أجل بناء نظام اقتصادي دولي جديد أكثر عدالة وإنصافا وشمولا.