
بكين: عبدالوهاب جمعه
مع بدء الاعتدال الربيعي في الصين وجد سكان بكين الفرصة في مشاهدة الازهار تتفتح،وفي الطرقات او داخل فسحات الامكنة تجذب ازهار الربيع المتفتحة الناس للتصوير والنظر بتأمل لمستقبل الايام المزدهرة.
وفي جانب آخر يمضي قطار خط سكك حديد ضواحي بكين ( S2 ) على مهل عبر سور جويونغقوان العظيم الذي يشهد تفتح أزهار الربيع، وقد لقي القطار إشادة واسعة باعتباره “قطار الربيع” لأنه يمر عبر العديد من المواقع ذات المناظر الخلابة.
من بكين الى اوهان، ومن قويتشو الى مقاطعة يوننان بجنوب غربي الصين تزدهر الاماكن بتفتح زهور الربيع.لكنها مؤشر على أن قطار الاقتصاد الصيني لايزال مندفعا كما هو قطار خط سكك حديد ضواحي بكين ( S2 ) المنتشي وسط ازدهار زهور الربيع.
ازدهار عقب الدورتين السنويتين
لكن زهور الربيع اليانعة ليس مجرد تغير الموسم وانما تعكس في الوقت نفسه ازدهار الاقتصاد الصيني في العام الجديد عقب انعقاد الدورتين السنويتين للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني والمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني.
شهد الاقتصاد الصيني في عام 2025 انتعاشًا ملحوظًا، مدعومًا بحزمة من السياسات الحكومية الفعّالة، وزيادة الثقة في السوق المحلية والعالمية، وتعزيز الانفتاح الاقتصادي.
في ظل التحديات العالمية المتزايدة، مثل التضخم، وعدم الاستقرار الجيوسياسي، والانكماش الاقتصادي في بعض الدول الكبرى، تمكنت الصين من الحفاظ على مسار نمو مستقر، مما عزز مكانتها كقوة اقتصادية رئيسية تساهم في استقرار الاقتصاد العالمي.
العوامل الرئيسية التي ساهمت في انتعاش الاقتصاد الصيني عام 2025، بما في ذلك السياسات الحكومية، ومبادرات تعزيز الاستهلاك، وزيادة الاستثمارات التكنولوجية، وتطور سوق الأوراق المالية، بالإضافة إلى دور الصين في سلاسل القيمة العالمية.
استمرار الانفتاح الاقتصادي
أكد رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ خلال كلمته في منتدى التنمية الصيني 2025 أن الصين ستواصل سياسات الانفتاح الاقتصادي والتعاون الدولي، رغم التحديات العالمية. وأشار إلى أن الصين ستوسع نطاق وصول الشركات الأجنبية إلى السوق المحلية، مما يعزز اندماج الشركات العالمية في الاقتصاد الصيني.
كما أعلن لي تشيانغ أن الصين حددت هدف النمو السنوي لعام 2025 عند 5%، وهو ما يعكس ثقة الحكومة في قدرتها على إدارة الاقتصاد وتحقيق استقراره. وأكد أن هذا الهدف يأتي نتيجة لفهم عميق للوضع الاقتصادي المحلي والإمكانات المستقبلية للتنمية.
أعلن وزير المالية الصيني لان فو آن أن الحكومة ستتبع سياسة مالية استباقية لدعم النمو الاقتصادي، مشيرا للتركيز على تعزيز الاستهلاك المحلي كركيزة رئيسية للنمو بجانب زيادة كفاءة الاستثمار في القطاعات الإستراتيجية مثل التكنولوجيا والبنية التحتية ودعم الابتكار من خلال تمويل التعليم والبحث العلمي.
كما أشار هان ون شيو، نائب المدير التنفيذي لمكتب اللجنة المركزية للشؤون المالية والاقتصادية، إلى أن الصين لديها مجال واسع لتعديل السياسات الكلية لمواجهة التقلبات الاقتصادية، مما يعزز الثقة في النمو طويل الأجل.
وفي سبيل دعم السياسات الحكومية اجرى بنك الشعب الصيني عمليات لدعم السيولة والائتمان
حيث اصدر450 مليار يوان (62.5 مليار دولار) من قروض تسهيلات الإقراض متوسطة الأجل لضمان سيولة القطاع المصرفي.
وتأتي هذه الخطوة ضمن جهود البنك المركزي لتحفيز الاقتراض والاستثمار، خاصة في ظل تبني سياسات نقدية مرنة تدعم النمو دون التسبب في تضخم مفرط.
ادوات متنوعة لصانعي السياسات الصينية
قال الخبير الاقتصادي البارز لي داوكوي الذي يتمتع بخبرة طويلة في اقتصاديات السوق والسياسة الاقتصادية الصينية خلال محاضرة في “صالون لين جيا” الذي نظمته جمعية الدبلوماسية العامة الصينية أن دورتي المجلس الوطني لنواب الشعب هذا العام كانتا من الأهمية بمكان من حيث السياسة الاقتصادية، حيث طرحت توجهات جديدة تستحق الانتباه
وقال أن الصين شهدت مؤخرًا إشارات قوية صادرة عن دورتي المجلس الوطني لنواب الشعب، تؤكد عزم البلاد على تعزيز التنمية عالية الجودة وتوسيع الانفتاح.
واضاف:” هذه الإشارات لم ترسم فقط مخططًا جديدًا للاقتصاد الصيني، بل نقلت أيضًا ثقة راسخة في التعاون المربح للجميع”.
وتوقع داكوي ان يشهد العام الحالي تعافيا كاملا واكد أن معدل نمو الاقتصاد الصيني سيكون أسرع من العام الماضي.وقال أن أن صانعي السياسات لا يزالون يمتلكون مجموعة متنوعة من الأدوات تحت تصرفهم.
قطف ثمار الخطط
دفعت الصين باداة اقتصادية اخرى وهي تعزيز الاستهلاك المحلي كركيزة للنمو بهدف تحفيز الطلب المحلي، حيث أصدرت الصين خطة شاملة لتعزيز الاستهلاك، تهدف إلى زيادة القوة الشرائية للمواطنين عبر رفع الأجور وتخفيض الأعباء الضريبية بجانب تحسين جودة الخدمات في قطاعات مثل السياحة والرعاية الصحية.
واستهدفت الخطة تطوير قطاعات استهلاكية ناشئة من قبيل المنتجات المدعومة بالذكاء الاصطناعي واقتصاد الطيران منخفض الارتفاع والسياحة الفضية (لكبار السن).
وفي غضون فترة قليلة خلال الشهرين الماضيين ظهرت بعض من نتائج تلك السياسات الاستهلاكية.
فقد أظهرت البيانات الرسمية ارتفاعًا في مبيعات التجزئة، خاصة في الأجهزة الإلكترونية بنسبة( 23.3%) والأجهزة المنزلية (بنسبة 56.1%) و السيارات الكهربائية والذكية. كما سجلت خدمات حماية البيئة نموًا بنسبة 29.3%، مما يعكس توجه الصين نحو الاقتصاد الأخضر.
استفادت خطط الحكومة الصينية من التطور التكنولوجي والصناعات الناشئة بنمو قطاع التكنولوجيا الفائقة حيث ارتفعت إيرادات مبيعات صناعة التكنولوجيا الفائقة بنسبة 10.6%، مدعومة بالذكاء الاصطناعي، حيث حققت شركة ديب سيك (DeepSeek) نموًا كبيرًا.
لكن التطور التكنولوجي لم يكن فقط مفيدا للاستهلاك المحلي فقط وانما ساهم في تعزيز الصادرات حيث أفاد منتدى بوآو الآسيوي أن الصين لا تزال مركزًا لسلاسل القيمة العالمية، حيث تمثل 16% من تجارة السلع الوسيطة عالميًا، مقارنة بـ 15% لأمريكا الشمالية.
جانب آخر من انتعاش الاقتصاد الصيني في الربع الاول من العام الحالي هو انتعاش سوق الأوراق المالية حيث شهدت البورصة الصينية انتعاشًا قويًا في 2025، بارتفاع إجمالي إصدار الأسهم بنسبة 119% في الربع الأول مقارنة بعام 2024.
بينما زادت ثقة المستثمرين بسبب تحسن الأداء الاقتصادي وارتفاع أرباح الشركات التكنولوجية.
وتوقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) نمو الاقتصاد الصيني بنسبة 4.8% في 2025، وهو أعلى من التقديرات السابقة.
مؤشرات النمو
جانب أخر من نمو الصين في بداية العام الجديد بعد انعقاد الدورتين السنويتين يظهر في نمو الإنتاج الصناعي بما يتجاوز التوقعات، حيث ارتفع الإنتاج الصناعي في الصين بنسبة 7% على أساس سنوي خلال شهري يناير وفبراير، مقارنة بـ 6.8% في ديسمبر 2024، مما يشير إلى تعزيز قطاع التصنيع ويعكس هذا النمو تحسنًا في أداء جانب العرض والدعم السياسي للتحديثات الصناعية.
بينما اظهر الاستثمار في الأصول الثابتة زخما قويا بارتفاع الاستثمار في الأصول الثابتة بنسبة 4.2% على أساس سنوي، مسرعًا من نمو بلغ 3% في 2023. ويوضح هذا الارتفاع إلى أن استثمارات البنية التحتية والتصنيع تقود التعافي الاقتصادي.
سر النمو ..المرونة والسياسات الحكومية
رغم التحديات العالمية، تمكنت الصين من تعزيز انتعاشها الاقتصادي في 2025 من خلال سياسات مالية ونقدية فعّالة تحفيز الاستهلاك المحلي الاستثمار في التكنولوجيا والصناعات الحديثة وتعزيز الانفتاح الاقتصادي والتعاون الدولي.
وذلك يظهر مدى تنوع الهيكل الاقتصادي للصين، وحجم سوقها المحلي الكبير بجانب الاستثمار في البنية التحتية والابتكار والتكنولوجيا والتجارة الدولية
انتعاش الاقتصاد الصيني في الربع الاول يظهر قدرة الصين على المرونة في مواجهة الأزمات بجانب السياسات الحكومية الفعالة حيث تملك الحكومة الصينية قدرة كبيرة على التخطيط الاقتصادي طويل الأجل وتنفيذ السياسات بسرعة وفعالية.
لذلك من المتوقع أن تحافظ الصين على دورها كقاطرة للنمو الاقتصادي العالمي، مدعومة بمرونتها وقدرتها على التكيف مع المتغيرات الدولية.
ومشهد تفتح زهور الربيع في مدن وقرى الصين يذكر بمشهد الاقتصاد الصيني الصلب لكنه يوضح ايضا مدى مرونة السياسات الحكومية في الاستجابة للمتغيرات.