أيمن عامر يكتب : الحرب العالمية التجارية الثالثة

بقلم : أيمن عامر
تحول إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ، فرض رسوم جمركية باهظة وواسعة النطاق على أغلب دول العالم والتي شملت دول أوروبية وأسيوية وخليجية وعربية ومنها مصر برسوم جمركية بدأت بنسبة 10% حتى 34% وارتفعت إلى ١٠٠% على الواردات الصينية ، بعدما فرضت بكين رسوم مماثلة على الواردات الأمريكية بنسبة 34% وارتفعت إلى ٨٤ % ردا على الرسوم الترامبية كرد دبلوماسى متعارف عليه يقضى المعاملة بالمثل فى المعاملات الدولية ، إلى سابقة تُذكر بفصل مظلم في التاريخ الاقتصادي في خطوة تُعد الأكبر من نوعها منذ عام 1930، حين وقّع الرئيس هربرت هوفر على قانون “سموت-هاولي” الذي تسبب في انهيار التجارة العالمية وأسهم في تعميق الكساد الكبير .
واعتبر ترامب تاريخ قراراته فى الثانى من إبريل الجارى بأنه يوم تحرير طال انتظاره سيزيد من الإنتاج المحلي ومنافسة أقوى وأسعارا أقل للمستهلكين الأمريكيين ، بينما تحولت إلى “زلزال في النظام التجاري العالمي”، حيث فرض ضريبة بنسبة 25% على السيارات المستوردة، و20% على جميع الواردات الأخرى، 100%على الواردات الصينية،24 % على الواردات اليابانية،20 % على واردات الاتحاد الأوروبي، بجانب رسوم إضافية على العديد من الدول العربية مثل مصر وتونس والخليج والأردن .
تحولت قرارات ترامب الجمركية الذى يسعى للحصول على جائزة نوبل للسلام ، إلى إعلان حرب تجارية عالمية جابت أرجاء العالم ، فقد سجلت أسواق المال في آسيا والخليج وأوروبا، الأيام الماضية خسائر فادحة بعضها غير مسبوق منذ العام 2008،واحدثت اضطراب لسلاسل الإمدادات ، متأثرة بأزمة الرسوم الجمركية .وتتخوف الأسواق العالمية والعربية من أن تصل الخسائر إلى درجة “الاثنين الأسود” الشهير الذي شهدته أسواق المال العالمية في العام 1987.
بينما أعلن الرئيس ترامب فى برنامجه الانتخابى والرئاسى إرساء السلام فى العالم والشرق الأوسط بوقف الحرب الروسية الأوكرانية وحرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة ، واللتين اشتعلتا أكثر تحت الرعاية والوساطة الأمريكية المفترضة لاتفاق وقف الحرب الإسرائيلية وتبادل الأسرى والذى انتهكه الاحتلال الإسرائيلي باستئناف حرب الإبادة تحت الرعاية الأمريكية وكذلك الوساطة المنحازة بين روسيا وأوكرانيا .
وحينما كان يسير العالم فى طريق العولمة الذى رسمه الغرب لتحرير التجارة الدولية بحجة خدمة مصالح الشعوب ، أطلق الرئيس ترامب حرب جديدة هى الحرب التجارية الجمركية التى هزت اقتصاديات العالم بالخسائر والانهيارات المتتابعة وكبدت الدول والبورصات العالمية و الأسواق المالية خسائر مليارية لم يشهدها العالم منذ عقود وتهدد بحدوث ركود اقتصادى عالميا ما يدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى الإبقاء على مستويات الفائدة مرتفعة ما يضغط على العملات المحلية بالدول الأخرى والتى أجمع عليها اقتصاديو العالم بأنها حرب عالمية تجارية ثالثة تعقب الحربين العالميتين الأولى والثانية . خاصة و أن الاقتصاد العالمي منذ الحرب العالمية الثانية تعرض لصدمتين كبيرتين: الأزمة المالية عامي 2008-2009 وجائحة كوفيد-19 في 2020، وتسببت القرارات الجمركية بالصدمة الاقتصادية الثالثة في 17 عاما”
لم تكن القرارت الأمريكية كارثية على الأسواق المالية فى العالم فحسب ، ولكن أحدثت خسائر كبيرة داخل الولايات المتحدة نفسها، حيث تكبدت الأسواق المالية خسائر مليارية وخسرت الشركات الأمريكية تريليونات الدولارات أيضا ، ومع تهاوى الأسهم ، فقد أثرياء العالم 208 مليارات دولار ، فضلا أن القرارات تؤثر سلبا على الاقتصاديات الناشئة وهذا ما حدث .
وتباينت ردود الأفعال الدولية ، بينما كان القاسم المشترك فيما بينها هو الرفض لها حيث خرجت اعتراضات كبيرة من جانب دول العالم، وفى المقدمة منها الصين التى تعتبرها انتهاكا صارخا لقرارات منظمة التجارة العالمية، وبادرت بكين بفرض رسومًا جمركية بنسبة 34 بالمائة على جميع الواردات القادمة من الولايات المتحدة وصلت إلى 84%، كما قررت وزارة التجارة الصينية فرض قيودًا على تصدير بعض المواد المرتبطة بالمعادن النادرة، وهى مواد يتم استخدامها فى المنتجات عالية التقنية مثل رقائق الكمبيوتر وبطاريات السيارات الكهربائية.وذلك بدءًا من العاشر من أبريل الجارى . وهو قرار فى إطار الحرب التجارية المتصاعدة بين أكبر اقتصادين فى العالم ، و بينما طالبت الصين ، الولايات المتحدة إلغاء إجراءاتها الجمركية أحادية الجانب فورًا، وحل الخلافات التجارية من خلال التشاور على قدم المساواة و الاحترام والمنفعة المتبادلة ، حذرت بكين أنها ستقاتل إلى ما لا نهاية ، و تمنت دول الاتحاد الأوروبى مراجعة أمريكا القرارات الترامبية وبدأ مفاوضات لحل الأزمة الدولية ، فى الوقت الذى جمعت فيه قرارات ترامب خصومه السياسيين والاقتصاديين، بل ووحّدت أوروبا، والصين، واليابان، وكوريا الجنوبية في جبهة موحدة ضده، على الرغم من خلافاتهم التاريخية.
وبالنسبة لمصر فالتأثير محدودا خاصة وأن الصادرات المصرية لأمريكا تمثل نحو 10% تقريبا من إجمالي حجم الصادرات المصرية ولذا سيكون تأثيرها المباشر محدودا ومحصورا بينما سيؤدي القرار لزيادة أسعار المنتجات الأجنبية المستوردة على الأمريكيين أنفسهم لحين الاعتماد على المصانع الأمريكية في تصنيع هذه المنتجات وتعويض نقصها بالأسواق الأمريكية .
ترامب لديه خطة تجارية ومشروع سياسى فى العالم يمتد من التهجير القسرى للشعب الفلسطيني فى قطاع غزة و تمكين إسرائيل لتكون القوة المطلقة في الشرق الأوسط ، إلى محاربة الاقتصاد الصينى، وتعطيل معدلات النمو فى الصين، والاستحواذ على المعادن الثمينة فى أوكرانيا وانتهاج سياسة القوة فى العلاقات الدولية، وهو بذلك يخرج الولايات المتحدة من كونها الدولة العظمى الراعية فى العالم إلى القوة المتصادمة . خاصة أن الحرب الاقتصادية لا تتضرر منها دولة بعينها، وإنما هى حرب تؤثر على الجميع، والقرارات التجارية والاقتصادية الايجابية تستهدف الشعوب، كما أن القرارات الاقتصادية العكسية تحاصر الشعوب وتهدد الاستقرار وهى سياسات جعلت العالم يعيد النظر في مركزية الدولار كعملة للتجارة العالمية، وفتحت شهية القوى الدولية على تقليص الاعتماد على أمريكا. بعدما وضع الاقتصاد الدولي في مأزق حقيقي، في تحرك استثنائي جدلي سيدفع ثمنه الأمريكان قبل شعوب العالم
و الحل أمام مصر والصين ودول العالم ،هو البحث عن أسواق بديلة للسوق الأمريكي لاستيعاب الصادرات الوطنية مثل الأسواق الإفريقية وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وغيرها, خاصة أن قرارات ترامب يمكن استغلالها في جذب الشركات الصينية والأجنبية الأخرى التي فرضت علي بلادها رسوم جمركية عالية بحيث تقوم بنقل استثماراتها إلى مصر وتقوم بالتصنيع وتصدير منتجاتها من مصر لأمريكا برسوم جمركية مخفضة نظرا لتمتع مصر بتعريفه جمركية صفرية للسوق الأمريكى لمنتجات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة طبقا لاتفاقية الكويز الموقعة مع الولايات المتحدة الأمريكية عام ٢٠٠٤ . لحين عودة الاستقرار الاقتصادى والسياسى العالمى وتوقف حرب الإبادة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطينى وإحلال السلام العادل والشامل للصراع العربى الإسرائيلى طبقا لحل الدولتين ومبادرة السلام العربية وتوقف الحرب الروسية الأوكرانية والصراعات البينية وتحقيق العدالة الدولية وترسيخ التعايش المشترك للإنسانية فى عالم واحد تسوده المصالح المشتركة .