الرئيسيةمقالات الرأي

صلاح جمعة يكتب : قناة السويس لن تكون رهينة لأي ابتزاز

 

بقلم : صلاح جمعة

 

في تصريح يجسد غطرسة مرفوضة وفهمًا مغلوطًا للقانون الدولي، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مطالبًا بمنح السفن العسكرية والتجارية الأمريكية حق المرور المجاني عبر قناة السويس، مدعيًا زورًا أن لبلاده فضلًا في وجود هذا الشريان المصري العالمي.

هذا الادعاء الباطل يمثل نموذجًا فجًا لمحاولات الهيمنة غير المشروعة، ويستدعي الرد الحازم لتأكيد أن قناة السويس شيدها أجدادنا المصريون بدمائهم، وأنها ستظل رمزًا لسيادة مصر وكبريائها الوطني، ولن تكون يومًا رهينة لأي ابتزاز أو ضغوط مهما علا صوتها أو اشتدت حملاتها.

 

السيادة المصرية على قناة السويس: حقيقة تفرضها الدماء والقانون

 

قناة السويس ليست مجرد معبر ملاحي يفصل بين بحرين، بل هي شريان حياة صنعه المصريون بتضحياتهم، وحفره العمال المصريون في ملحمة عرق ودم سطرتها صفحات التاريخ بمداد من نور.

منذ اللحظة الأولى، كانت القناة، ولا تزال، جزءًا لا يتجزأ من التراب الوطني المصري، تخضع للسيادة الكاملة للدولة المصرية، وفق ما أرسته القوانين الوطنية والمعاهدات الدولية، وفي مقدمتها اتفاقية القسطنطينية لعام 1888.

 

وقد نصت هذه الاتفاقية بوضوح على أن قناة السويس مفتوحة أمام جميع السفن التجارية والعسكرية في أوقات السلم والحرب، دون تمييز، ولكن مقابل دفع رسوم مرور تحددها الإدارة الوطنية المختصة، دون أن تمنح هذه الاتفاقية أو غيرها أي دولة حق المرور المجاني أو الإعفاء من الرسوم.

 

إن محاولة الولايات المتحدة أو غيرها فرض معاملة تفضيلية أو المطالبة بإعفاءات، هي ببساطة انتهاك سافر للسيادة المصرية وإخلال جسيم بمبدأ المساواة أمام القانون الدولي.

 

تأميم قناة السويس: إعلان مصر الكرامة والسيادة أمام العالم

 

في السادس والعشرين من يوليو عام 1956، أعلن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قراره بتأميم قناة السويس.

لم يكن ذلك القرار مجرد رد فعل على رفض تمويل مشروع السد العالي، بل كان إعلانًا ثوريًا بأن مصر تملك إرادتها، وأن مقدراتها الوطنية ستبقى بيد شعبها.

بالتأميم، انتقل حلم المصريين من طور التمني إلى طور السيادة الكاملة، وأثبتت مصر أنها قادرة على إدارة هذا الشريان الحيوي بكفاءة وشرف، دون حاجة إلى وصاية أو تدخل أجنبي.

 

ومنذ ذلك الحين، أصبحت قناة السويس رمزًا ليس فقط للملاحة الدولية، بل لكرامة مصر وصمودها في وجه الضغوط الخارجية والمؤامرات الدولية.

 

الولايات المتحدة ومزاعم لا سند لها في القانون

 

 

الولايات المتحدة، التي لم توقع ولم تصادق على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، ليس لها أي أهلية قانونية أو حق دولي يخولها المطالبة بأي امتياز في قناة السويس، وأي محاولة لفرض مطالب كهذه تعتبر تدخلاً سافرًا مرفوضًا جملة وتفصيلًا، ومناقضًا لأبسط مبادئ السيادة والقانون الدولي ويندرج تحت محاولات فجة لفرض الأمر الواقع على حساب سيادة الدول ومصالحها المشروعة.

 

مطالبات ترامب ليست سوى أوهام استعلائية تجاوب صدى سياسات مضت وانقرضت، ولا مكان لها في عصر الشعوب الحرة المستقلة.

 

قناة السويس: شريان الاقتصاد الوطني ومصدر فخر قومي

 

قناة السويس ليست مجرد قناة تربط البحرين الأحمر والمتوسط، بل هي شريان اقتصادي يضخ الحياة في جسد الدولة المصرية.

في عام 2024، بلغت عائدات القناة ما يقارب 10 مليارات دولار، تمثل مصدرًا حيويًا للنقد الأجنبي وداعمًا أساسيًا لميزان المدفوعات الوطني.

 

الرسوم التي تفرضها مصر على عبور السفن لا تحددها أهواء أو ضغوط، بل تحكمها دراسات دقيقة تستند إلى أحجام السفن، وأسعار الطاقة، ومتغيرات السوق العالمية.

 

إن أي إعفاءات خاصة أو معاملة تفضيلية تمثل انتقاصًا مباشرًا من الثروة الوطنية، وهو ما لا تسمح به مصر تحت أي ظرف.

 

من يطالب بمرور مجاني يطالب عمليًا بالسطو على حق مصري خالص، وهو أمر مرفوض قاطعًا ولن يجد في مصر إلا الصد والإباء.

 

تفنيد الادعاءات الأمريكية بشأن إنشاء القناة: كشف الزيف بالحقائق

 

أما الزعم بأن للولايات المتحدة فضلًا في إنشاء قناة السويس، فهو افتراء تاريخي لا يصمد أمام الحقائق.

قناة السويس شُيدت بين عامي 1859 و1869 بواسطة شركة فرنسية، دون أي مساهمة أمريكية مالية أو هندسية.

 

وعندما واجهت مصر العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي عام 1956، لم تكن الولايات المتحدة نصيرًا للحق المصري، بل ظلت في البداية مترددة تراعي حساباتها، قبل أن تعارض هذا العدوان حماية لمصالحها الاستراتيجية، لا نصرة لمصر أو دفاعًا عن سيادتها.

 

من هنا، يتضح أن الادعاءات الأمريكية ما هي إلا محاولات بائسة لتزييف التاريخ وإعادة كتابة الرواية بما يخدم مصالح آنية زائلة.

 

قناة السويس: رمز لكرامة مصر وشرفها الوطني

 

قناة السويس لم تكن يومًا مجرد ممر ملاحي عابر، بل كانت وستظل عنوانًا لكرامة مصر وصمودها.

هي قصة كفاح امتدت عبر الأجيال، خطتها سواعد الفلاحين والعمال، وسُقيت بدماء الشهداء والمدافعين عن الحق الوطني.

 

ولا يملك أحد، مهما علا صوته أو امتلك من القوة، أن يزيف هذه الحقيقة أو ينتقص منها.

 

السيادة المصرية ليست موضع نقاش

 

مصر التي كسرت قيود الاستعمار، وانتزعت استقلالها بدماء أبنائها، وأعلنت للعالم تأميمها لقناة السويس، هي ذاتها التي ترفض اليوم رفضًا قاطعًا أي حديث عن المرور المجاني أو الامتيازات الخاصة أو الإملاءات الأجنبية.

 

قناة السويس ستظل مصرية الإرادة، مصرية الإدارة، مصرية الهوية، عصيّة على الابتزاز، منيعة أمام الضغوط، عنوانًا للسيادة وشريانًا للكرامة الوطنية.

 

ومن كانت قناة السويس جزءًا من دمائه، لا يقبل أن تكون أبدًا رهينة للضغوط أو ساحة للمساومة.

زر الذهاب إلى الأعلى