
كتب: خالد جادالله
منذ أن بدأ الإنسان في إدراك الألوان، وتفكيك تنوعها وتدرجاتها لم يتوقف الفضول البشري عن السعي لفهم المدى الذي تصل إليه حواسنا. لكن هل تساءلنا يومًا إذا كان هناك ألوان لا يمكننا رؤيتها نعم يوجد بالفعل ألوان خارج نطاق قدرتنا على الإدراك وإن كانت هذه الألوان جزءًا من الطيف الضوئي الذي يحيط بنا بشكل مستمر. فهناك ظواهر ضوئية تدور في محيطنا لكن لا يمكننا أن نراها بعيننا المجردة
الألوان غير المرئية ماذا نعني بها
عندما نتحدث عن الألوان غير المرئية، فإننا نشير إلى موجات الضوء التي تقع خارج النطاق الذي تستطيع عيوننا استقباله الطيف الضوئي المرئي للبشر يمتد من اللون الأحمر عند الأطول ترددًا إلى اللون البنفسجي عند الأقصر ترددًا لكن هناك أجزاء من الطيف تقع خارج هذا النطاق، مثل الأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء وهي ألوان لا يمكن للعين البشرية أن تميزها
الأشعة فوق البنفسجية و تقع هذه الأشعة على الطرف الأقصر من الطيف الضوئي، وهي تحمل طاقة أعلى من الضوء المرئي بينما لا يستطيع البشر رؤيتها إلا أن العديد من الحيوانات مثل الطيور وبعض الحشرات تستطيع رؤيتها الأشعة فوق البنفسجية يمكن أن تكون ضارة للبشر إذا تعرضنا لها بكميات كبيرة، وهي المسؤولة عن حروق الشمس التي نعرفها جيدًا
الأشعة تحت الحمراء (IR) على الجانب الآخر من الطيف، توجد الأشعة تحت الحمراء، التي تتمتع بطول موجي أطول من الضوء الأحمر في حين أن البشر لا يمكنهم رؤية هذه الأشعة فإن العديد من الحيوانات مثل الثعابين وبعض الثدييات يمكنها رؤية الحرارة من خلال الأشعة تحت الحمراء مما يمنحها ميزة في التسلل وملاحقة الفريسة في الظلام
لماذا لا نستطيع رؤية هذه الألوان
السبب يعود إلى تركيبة العين البشرية وطريقة عمل خلايا الشبكية العيون البشرية تحتوي على خلايا مستشعرة للضوء تُسمى المخاريط، وهذه الخلايا تكون حساسة لثلاثة أطياف من الألوان الأساسية الأحمر والأخضر والأزرق بالإضافة إلى الموجات الضوئية التي تقع خارج هذه النطاقات، مثل الأشعة فوق البنفسجية أو تحت الحمراء، تتجاوز قدرة هذه الخلايا على الاستجابة لها مما يجعلها غير مرئية لنا
ماذا عن الكائنات الحية الأخرى
عندما ننتقل إلى عالم الحيوانات، نجد أن العديد منها قادر على رؤية ألوان وظواهر لا نتمكن نحن من رؤيتها. على سبيل المثال، يمكن للنحل رؤية الأشعة فوق البنفسجية، التي تستخدمها لتحديد موقع الأزهار كما أن العديد من الطيور لديها قدرة على رؤية الأشعة فوق البنفسجية وتستخدمها في تمييز الخصائص في البيئة المحيطة بها من جانب آخر يمكن للثعابين استخدام الأشعة تحت الحمراء لرؤية الحرارة المنبعثة من الكائنات الحية الأخرى مما يساعدها في اصطفاف هدفها في الصيد بشكل أكثر دقة
إلى أين نذهب من هنا
الحديث عن الألوان غير المرئية يعيدنا إلى سؤال أعمق هل يوجد المزيد من الظواهر التي نجهلها ولكن ما هي الحدود التي لا نستطيع إدراكها ومع تقدم التكنولوجيا وتطوير أدوات القياس، أصبح من الممكن للبشر استكشاف هذه المجالات المجهولة في المستقبل قد نتمكن من تجاوز حواجز الإدراك البشري وربما نطور تقنيات لتمكيننا من رؤية تلك الألوان الخفية التي تحيط بنا
أشعة غاما والأشعة السينية
رغم أن البشر لا يستطيعون رؤية أشعة غاما أو الأشعة السينية، إلا أنها تحمل طاقة عالية وتُستخدم في الطب مثل التصوير بالأشعة السينية، وفي أبحاث الفضاء لتتبع الظواهر مثل الانفجارات النجمية أو الثقوب السوداء هذه الأشعة تمثل جزءًا كبيرًا من الطيف الكهرومغناطيسي غير المرئي
الرؤية متعددة الأطياف
بعض الأفراد خاصة النساء يمتلكون قدرة نادرة على رؤية ألوان أكثر من الأشخاص العاديين بسبب وجود نوع إضافي من المخاريط في العين هذه القدرة تجعلهم قادرين على التفريق بين درجات ألوان لا يستطيع الآخرون تمييزها وهو ما يعد من أبرز حالات الرؤية غير العادية
كيف تؤثر الأشعة فوق البنفسجية في الكائنات الحية
الأشعة فوق البنفسجية رغم أنها غير مرئية للبشر لها تأثيرات مهمة على الكائنات الحية بعض الكائنات البحرية مثل السلاحف والأسماك تستخدم الأشعة فوق البنفسجية لتحديد الأجسام في بيئات مظلمة أو للتفاعل الاجتماعي وتساعد الطيور على التنقل في الهجرات
مستشعرات الأشعة تحت الحمراء لدى الكائنات الحية
العديد من الكائنات الحية مثل الثعابين تمتلك القدرة على رؤية الأشعة تحت الحمراء مما يساعدها على اكتشاف الفريسة من خلال تمييز الحرارة المنبعثة منها هذا يسمح لها بالتحرك بشكل أكثر دقة في الظلام والبيئات الخالية من الضوء
الألوان غير المرئية هي حقًا عالم غامض وخفي فبينما نشعر بالحيرة تجاه المدى الذي يمكن للعين البشرية أن تدركه فإن الطبيعة تقدم لنا العديد من الأسرار التي لم تُكشف بعد وبالنظر إلى قدرة بعض الكائنات الحية على تجاوز هذه الحدود البصرية تظل هذه الظاهرة تثير فينا التساؤلات حول حدود حواسنا وكيف يمكن لتكنولوجيا المستقبل أن تكشف لنا ما هو مخفي في عالم الألوان